ويحتمل أن يريد به ﴿وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ﴾ إذا كانوا قليلاً يقنعون به، ويرضون عنه، وقد كانوا على هذه الحال حين حياة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ دنيا، ثم كانوا عليه بعد موته صلى الله عليه بحكم الدنيا، وقد أنذرهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وقال:
«سَتَرَونَ بَعْدِي أثَرَةً فاصْبرُوا حَتَّى تلْقَونِي على الحَوْضِ».
قوله: ﴿وَيُؤْثِرُونَ على أَنفُسِهِمْ﴾.
قال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما -: «قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يوم بني النضير:» إن شِئْتُم قَسمْتُمْ للمُهَاجرينَ من أمْوالكُمْ ودِيَاركُمْ وشَارَكتُمُوهُم في هذه الغنيمةِ، وإن شِئْتُم كَانَتْ لكُم ديَارُكمْ وأموالكُمْ ولَمْ نَقْسِمْ لَكُمْ مِنَ الغَنِيمَةِ شَيْئاً «. فقالت الأنصار: بل نقسم لإخواننا من ديارنا وأموالنا ونؤثرهم بالغنيمة»، فنزل: ﴿وَيُؤْثِرُونَ على أَنفُسِهِمْ﴾ الآية.
قال ابن الخطيب: «وذكر المفسرون أنواعاً من إيثار الأنصار للضيف بالطعام، وتعللهم عنه حتى يشبع الضيف، ثم ذكروا أن هذه الآية نزلت في ذلك الإيثار، والصحيح أنها نزلت بسبب إيثارهم المهاجرين بالفيء، ثم لا يمتنع أن يدخل فيها سائر الإيثارات.
فذكر القرطبي: أن الترمذي روى عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - أن رجلاً بات به ضيف، ولم يكن عنده إلا قوته وقوت صبيانه، فقال لامرأته: نومي الصبية، وأطفئي السراج، وقربي للضيف ما عندك، فنزلت هذه الآية».
وخرجه مسلم أيضاً: عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قال: «جاء رجل إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقال: إني مجهودٌ، فأرسل إلى بعض نسائه، فقالت: والذي بعثك بالحق نبيًّا ما عندي إلا ماء، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:» مَنْ يُضيف هذا الليلة رَحِمَهُ اللَّهُ؟ «فقام رجل من الأنصار، فقال: يا رسول الله أنا، فانطلق به إلى رحله، فقال لامرأته: هل عندك شيء؟ قالت: لا، إلا قوت صبياني، قال: فعلليهم بشيء، فإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج»، وذكر نحو الحديث الأول.