قوله: «قُتِلَ الخَراصونَ» لُعِنَ الكَذَّابُونَ. وقرئ: قَتَلَ مبنياً للفاعل، وهو الله تعالى: ﴿الخرّاصين﴾ مفعوله، والمعنى لُعِنَ الخراصون وهم الذين لا يجزمون بأمر ولا يثبتون عليه، بل هم شاكون متحيرون. وهذا دعاء عليهم، ثم يصفهم بأنهم في غمرة ساهون، فقوله: «سَاهُونَ» يحتمل أن يكون خبراً بعد خبر والمبتدأ قوله «هم»، والتقدير: هم كائنون في غَمْرَة ساهون، كقولك: زَيدٌ جَاهلٌ جَائرٌ، لا تقصد به وصف الجاهل بالجائر. ويحتمل أن يقال: «ساهون» خبر، و «في غمرة» ظرف له، كقولك: زَيْدٌ فِي بَيْتِهِ قَاعِدٌ فالخبر هو «قاعد» لا غير، و «في بيته» بيان لطرف القعود، فكذا قوله: «في غمرة» ظرف للسَّهْوَةِ.
واعلم إن وصف الخارص بالسهو دليل على أن الخراص صفة ذم يقال: تَخَرَّصَ عليه الباطل. قال المفسرون: هم الذين اقتسموا عِقَاب مكة، فاقتسموا القول في النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ليصرفوا الناس عن دين الإسلام. وقال مجاهد: الكهنة الذين هم في غَمْرَة أي غَفْلة وعَمًى وجَهَالَةً «سَاهُونَ» غافلون عن أمر الآخرة. والسهو الغفلة عن الشيء وهو ذَهَابُ القلب عنه.
قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدين﴾ فقوله: ﴿أَيَّانَ يَوْمُ الدين﴾ مبتدأ أو خبر قيل: وهما ظرفان فكيف يقع أحد الظرفين في الآخر؟.
وأجيب: بأنه على حذف حَدَثٍ أي أَيَّانَ وُقوع يَوْمِ الدِّين «فَأَيَّانَ» ظرف الوقوع، كما تقول: مَتَى يَكُونُ يَوْمُ الجُمُعَةِ، وتقدم قراءة إيّانِ - بالكسر - في الأَعراف.
قيل: وأيان من المركبات، ركب من «أيٍّ» التي للاستفهام، و «آن» التي بمعنى متى، أو مِنْ «أَيٍّ» (و) أَوَان؛ فكأنه قال: أَيّ أَوَان، فلما ركبت بُنِيَ. وهذا جواب قوله: ﴿وَإِنَّ الدين لَوَاقِعٌ﴾ [الذاريات: ٦] فكأنه قال: أَيَّانَ يَقَعُ؟ استهزاءً.