المحترمة، قال - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -: «فِي كُلّ كَبِدٍ حَرَّى أَجْرٌ» وهذا ترتيب حسن؛ لأن الآدمي يُقدَّمُ على البهائم.
الثاني: أن السائل هو الذي يَسْأَل، والمَحْرُوم هو المتعفّف يظن أنه غنيٌّ فيُحْرَمُ. وقدَّمَ السائلَ؛ لأن حاله يعرف بسؤاله، أو يكون إشارة إلى كثرة العَطَاء فيعطي السؤّال، فإذا لم يجدهم يسأل عن المحتاجين فيكون سائلاً ومسؤولاً.
الثالث: قدم السائل؛ لتجانس رُؤُوس الآي.
فصل
قال ابنُ عباس وسعيدُ بن المُسيّب: السّائل الذي يسأل الناس، والمحروم الذي ليس له في الغنائم سهمٌ ولا يُجْرَى عليه من الفَيء شَيءٌ. وقال قتادة والزُّهْري: المحروم المتعفّف الذي لا يسأل. وقال زيد بن أسلم: هو المصاب ثمره أو زرعه أو تشَلُّ ماشيتُه، وهو قول مُحَمّد بن كَعْب القُرَظيِّ. قال: المحروم صاحب الحاجة، ثم قرأ: ﴿إِنَّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ﴾ [الواقعة: ٦٦ - ٦٧].
قوله تعالى: ﴿وَفِي الأرض آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ﴾ إذا ساروا فيها من الجبال والبحار والثمار وأنواع النبات تدلهم على أن الحَشْرَ كائن كقوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأرض خَاشِعَةً﴾ [فصلت: ٣٩]، ويحتمل أن يكون المعنى: وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ تَدُلُّ على مُدَبِّرٍ قادرٍ قاهرٍ يجب أن يُعْبَدَ ويُحْذَرَ.
فإن قيل: كيف خصص الآيات بالمُوقنينَ، ولم يُخَصِّصْ في قوله: ﴿وَآيَةٌ لَّهُمُ الأرض الميتة أَحْيَيْنَاهَا﴾ [يس: ٣٣] ؟
فالجواب: أن القَسَمَ إنما يكون مع المعَانِدِ في البرهان، فهو لا ينتفع بالآيات وإنما ينتفع بها المُوقِنُونَ فلذلك أقسم ههنا فقال: ﴿فَوَرَبِّ السمآء والأرض إِنَّهُ لَحَقٌّ﴾ وفي سورة يس لم يؤكد ذلك بالقسم الدال على المعاند. أو يقال: أطلقت هناك باعتبار حصولها وخصصت هنا باعتبار المنفعة بها. وجمعت «الآيات» هنا، لأن المُوقن يتنبه لأمور كثيرة، وكذلك قوله: وَفِي أَنْفُسِكُمْ آيات دالة على ذلك إذ كانت نطفةً ثم علقةً، ثم مضغةً، ثم عظاماً، إلى أن ينفخ فيها الرُّوح.