فصل
والخَطْب يُسْتَعْمل في الأمر العظيم، ولذلك قال: فَمَا خَطْبُكُم أي لعظمتكم لا ترسلون إلاَّ في أمر عظيم، ولو قال بلفظ مركب بأن يقول: ما شُغْلكم الخَطِيرُ وأمركم العظيم للزم التطويل فالخَطْبُ أفاد التعظيم مع الإيجاز وعرف أنهم مرسلون بقولهم: «إِنَّا أُرْسِلْنَا» أو بقولهم لامرأته: ﴿كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ﴾ لحكايتهم قول الله تعالى.
وقالوا في سورة هود: ﴿إِنَّا أُرْسِلْنَا إلى قَوْمِ لُوطٍ﴾ [هود: ٧٠] وقالوا هنا: ﴿إلى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ﴾، لأن الحكاية عن معنى قولهم.
ويحتمل أنهم قالوا الأمرين ولما حكى لفظهم في السلام أتى في الموضعين بصفة واحدة.
والمُجْرم قال ابن عباس - (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما -) : هو المشرك، لأن الشرك أسرف الذنوب وأعظمها.
قال ابن الخطيب: المُجْرم هو الآتي بالذنب العظيم، لأن المجرم فيه دلالة على العظيم ومنه جُرْم الشيء لِعظَمِهِ ومقْدَاره.
قوله: ﴿لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ﴾ فيه دليل على رَجْم اللائط. والفائدة في إرسال جماعة من الملائكة لهذا الأمر وإن كان يكفي فيه الواحد منهم، أنَّ الملك العظيم قد يهلك بالأمر الحقير كما هلك النُّمْرُود بالبَعُوض، وكما أُهْلِكَ بالقُمَّل والجَرَاد بل بالرِّيح التي بها الحياة إظهاراً للقدرة، وقد تكثر الأسباب كما في يوم بدر أُمِرَ خمسة آلاف من الملائكة بإهلاك أهل بدر مع قلتهم إظهاراً لعظيم قدرته.
وقوله: «مِنْ طِينٍ» أي ليست من البَرَدِ والفاعلُ لذلك هُو اللَّهُ تعالى لا كما يقول الحكماء فإنهم يقولون: إن البَرَد يسمى حجارة فقوله: «مِنْ طِينٍ» يدفع ذلك التَّوَهُّمَ.
قال ابن الخطيب: إن بعض من يَدَّعي العَقل (يقول) : لا ينزل من السماء إلا حجارة من طين مدوَّرات على هيئة البَرد وهيئة البَنَادِق التي يتخذها الرماة، قالوا: وسبب ذلك أن الإعصار يصعد الغُبَار من الفلَوَاتِ العظيمة التي لا عِمَارَةَ فيها والرياح تسوقها إلى بعض البلاد ويتفق (وصول) ذلك إلى هواء نَدِيّ فيصير طيناً رَطْباً، والرطب إذا نزل وتفرق استدار بدليل أنك إذا رميت الماء إلى فوق ثم نظرت إليه رأيته ينزل كراتٍ