والاختيار، لأنه تعالى لما ميز المجرمَ عن المحسن يدل على الاختيار وأيضاً فيها بيان أن بِبَركَة المحسن ينجو المسيء، فإن القرية ما دام فيها المؤمنون لم تَهْلَكْ. والضمير في «فِيهَا» عائد على القرية وهي معلومة وإن لم تكن مذكورة.
والمعنى: فأَخَرجْنا من كان في قُرَى قومِ لوط من المؤمنين، وذلك قوله: ﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ الليل﴾ [الحجر: ٦٥].
وقوله: ﴿فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ المسلمين﴾ يعني لوطاً وابنتيه وصفهم الله تعالى بالإيمان والإسلام جميعاً، لأنه ما من مؤمن إلا وهو مسلم، وفيه إشارة إلى أن الكفر إذا غلب، والفِسْقَ إذا فَشَا لا ينفع معه عبادة المؤمنين، بخلاف ما لو كان أكثر الخلق على الطريقة المستقيمة، وفيهم شِرْذِمَةٌ يسيرة يسرقون ويزنون، ومثاله أن العالم كالبَدَن، ووجود الصالحين كالأغذية الباردة والحارة والسموم الواردة عليه الضارة ثم إن البدن إن خلا عن المنافع وفيه الضارّ هلك وإن خلا عن الضار وفيه النافع طاب ونما، وإن وُجِدَا فيه فالحكم للغالب.
وإذا علم أن إطلاق العَامّ على الخَاصِّ لا مانع منه، لأن المسلم أعمّ من المؤمن فإذا سمي المؤمن مسلماً، لا يدل على اتحاد مفهوميهما فكأنه تعالى قال: أخرجنا المؤمنين، فما وجدنا الأعمَّ منهم إلا بَيْتاً من المسلمين، ويلزم من هذا أن لا يكون هناك غيرهم من المؤمنين.
قوله: ﴿وَتَرَكْنَا فِيهَآ آيَةً﴾ يجوز أن يعود الضمير على القَرْية، أي تركنا في القرية علامةً أي عِبرة كالحجارة أو الماء المنتن ويجوز أن يعود على الإهلاكة المفهومة من السِّياق.
وقوله: «لِلَّذِينَ يَخَافُونَ» أي ما ينتفع بها إلا الخائف، كقوله تعالى في سورة العنكبوت: ﴿لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [العنكبوت: ٣٥] ومعنى الآية: أن «الآية» تدلهم على أن الله تعالى أهلكهم فيخافون مثل عذابهم.