قال القرطبيُّ: «وليس قوله ﴿فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ جزاء للشرط؛ لأن هذا الصغو كان سابقاً، فجواب الشرط محذوف للعلم به، أي: إن تتوبا كان خيراً لكما؛ إذ قد صغت قلوبكما».
والثاني: أن الجواب محذوف، وتقديره: فذلك واجب عليكما، أو فتاب الله عليكما قاله أبو البقاء، ودلّ على المحذوف ﴿فَقَدْ صَغَتْ﴾ ؛ لأن إصغاء القلب إلى ذلك ذنب.
قال شهاب الدين: «وكأنه زعم أن ميل القلب ذنب، وكيف يحسن أن يكون جواباً وقد غفل عن المعنى المصحح لكونه جواباً».
وقوله: ﴿قُلُوبُكُمَا﴾ من أفصح الكلام حيث أوقع الجمع موقع المثنى استثقالاً لمجيء تثنيتين لو قيل: «قَلبَاكُمَا»، ومن شأن العرب إذا ذكروا الشيئين من اثنين جمعوهما؛ لأنه لا يشكل. وقد تقدم هذا في آية السرقة في المائدة.
ومن مجيء التثنية قوله: [الكامل]
٤٧٨٦ - فَتَخَالسَا نَفْسَيْهِمَا بنَوافِذٍ | كنَوافِذِ العُبُطِ الَّتِي لا تُرْقَع |
وقال ابن عصفور، لا يجوز الإفراد إلاَّ في ضرورة؛ كقوله: [الطويل]
٤٧٨٧ - حَمَامَةَ بَطْنِ الواديَيْنِ تَرَنَّمِي | سَقاكِ من الغُرِّ الغَوادِي مَطيرهَا |
وليس بغلط لكراهةِ توالي تثنيتين مع أمن اللبس.
وقوله: «إنْ تَتُوبَا» فيه التفات من الغيبة إلى الخطاب.
فصل في المراد بهذا الخطاب.
المراد بهذا الخطاب أُمَّا المؤمنين بنتا الشيخين الكريمين: عائشة وحفصة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - حثّهما على التوبة على ما كان منهما من الميل إلى خلاف محبة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، ﴿فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما﴾ أي: زاغت ومالت عن الحق، وهو أنهما أحبتا ما كره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من اجتناب جاريته واجتناب العسلِ، وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يحب العسل والنِّساء.