قوله: ﴿وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾. يدل على أن المعدوم شيء؛ لأن قدرة الله لا تتعلق بالموجود؛ لأن القدرة مؤثرة، والعدم نفي محض، فلا يكون أثراً لها، فوجب أن يكون المعدوم شيئاً.

فصل في أنه لا مؤثر إلا قدرة الله


احتج أهل السنة بهذه الآية على أنه لا مؤثر إلا قدرة الله، وأبطلوا القول بالطَّبائع كقول الفلاسفة، وأبطلوا القول بالمتولدات كقول المعتزلة، وأبطلوا القول بكون العبد موجوداً لأفعالٍ نفسيةٍ، لقوله: ﴿وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.

فصل في وحدانية الله


دلّت هذه الآية على الوحدانية؛ لأنا لو قدرنا إلهاً ثانياً، فإما أن يقدر على إيجاد الشيء أولاً، فإن لم يقدر على إيجاد شيء لم يكن إلهاً، وإن قدر كان مقدور ذلك الإله الثاني شيئاً، فيلزم كون ذلك للإله الأول لقوله ﴿وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ فيلزم وقوع مخلوق من خالقين، وهو محال؛ لأنه إذا كان كل واحد منهما مستقلاً بالإيجاد، ويلزم أن يستغنى بكلّ واحد منهما عن كل واحد منهما، فيكون محتاجاً إليهما وغنياً عنهما وذلك محال.

فصل في الرد على جهم


احتج جهم بهذه الآية على أنه تعالى ليس بشيء، فقال: لوكان شيئاً لكان قادراً على نفسه لقوله تعالى: ﴿وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ لكن كونه قادراً على نفسه محال، فيمتنع كونه شيئاً.
والجواب: لما دلّ قوله تعالى: ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ الله﴾ [الأنعام: ١٠٩] على أنه - تعالى - شيء وجب تخصيص هذا العموم، فإذن دلّت هذه الآيةُ على أنَّ العامَّ المخصوص واردٌ في كتاب الله تعالى، ودلت على أن تخصيص العام بدليل العقل جائز، بل واقع.
قوله: ﴿الذي خَلَقَ الموت والحياة﴾.
قيل: خَلَق الموت في الدنيا، والحياة في الآخرة، وقدم الموت على الحياة، لأن الموت إلى القهر أقرب، كما قدم البنات على البنين فقال: ﴿يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً﴾ [الشورى: ٤٩].
وقيل: قدمه؛ لأنه أقدم، لأن الأشياء في الابتداء كانت في حكم الموت كالنُّطف والتراب ونحوه.


الصفحة التالية
Icon