واختار أبو حيان أن يكون «بِنعمَةِ» قسماً معترضاً به بين المحكوم عليه والحكم على سبيل التأكيد والتشديد والمبالغة في انتفاء الوصف الذميم.
وقال ابن عطية: «بنِعْمةِ ربِّك» اعتراض، كما تقول للإنسان: أنت بحمد الله فاضل، قال: ولم يبين ما تتعلق به الباء في «بِنعْمَةِ».
قال شهاب الدين: والذي تتعلق به الباء في هذا النحو معنى مضمون الجملة نفياً وإثباتاً كأنه قيل: انتفى عنك ذلك بحمد الله، والباء سببية، وثبت ذلك الفضل بحمد الله تعالى، وأما المثال الذي ذكره، فالباء تتعلق فيه بلفظ «فاضل» وقد نحا صاحب «المُنَتخَب» إلى هذا فقال: المعنى انتفى عنك الجنون بنعمة ربك.
وقيل: معناه مَا أنْتَ مجنُونٌ والنعمة لربك، كقولهم: سبحانك اللهم وبحمدك، أي: والحمد لله؛ وقول لبيد: [الطويل]

٤٨٠٨ - وأفْرِدْتُ في الدُّنْيَا بفقْدِ عشِيرَتِي وفَارقَنِي جارٌ بأربدَ نَافِعُ
أي وهو أربد، وهذا ليس بتفسير إعراب بل تفسير معنى.

فصل في إعراب الآية


قوله تعالى: ﴿مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾. هذا جواب القسم، وهو نفي.
قال الزجاج: «أنت» هو اسم «مَا» و «مَجْنُون» الخبر، وقوله: ﴿بِنِعْمَةِ رَبِّكَ﴾ كلام وقع في الوسط، أي: انتفى عنك الجنون بنعمة ربك، كما يقال: أنت بحمد الله عاقل.
روى ابن عباس: أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ غاب عن خديجة إلى حراء، وطلبته، فلم تجده، فإذا به ووجهه متغير بلا غبار، فقالت: ما لك؟.
فذكر جبريل - عليه السلام - وأنه قال له: ﴿اقرأ باسم رَبِّكَ﴾ [العلق: ١]، فهو أول من نزل من القرآن، قال: ثم نزل بي إلى قرار الأرض، فتوضأ، وتوضأت، ثم صلى، وصليت معه ركعتين، وقال: هكذا الصلاة - يا محمد - فذكر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ذلك لخديجة، فذهبت خديجة إلى ورقة بن نوفل - وهو ابن عمها - وكان قد خالف دين قومه ودخل في النصرانية، فسألته فقال: أرسلي إليّ محمداً، فأرسلته فقال: هل أمرك جبريل - عليه


الصفحة التالية
Icon