يُسَمَّى خُلُقاً، لأنَّه يصير كالخلقة فيه فأما ما طُبع عليه من الأدبِ فهو الخِيمُ، فيكون الخلق: الطبع المتكلف، والخِيم: الطبع الغريزي.
قال القرطبي: «ما ذكره مسلم في صحيحه عن عائشة أصح الأقوالِ، وسئلت أيضاً عن خلقه - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - فقرأت ﴿قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون﴾ [المؤمنون: ١] إلى عشر آياتٍ».
قال ابن الخطيب: وهذا إشارة إلى أن نفسه القدسية كانت بالطبع منجذبة إلى عالم الغيبِ وإلى كل ما يتعلق بها، وكانت شديدة النفرة من اللذات البدنية، والسعادات الدنيوية بالطبع، ومقتضى الفطرة، وقالت: مَا كَانَ أحدٌ أحْسنَ خُلُقاً من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ما دعاه أحدٌ من الصحابة ولا من أهل بيته إلا قال: لبيك، ولذلك قال الله تعالى ﴿وَإِنَّكَ لعلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ ولم يذكر خلق محمود إلا وكان للنبي الحظ الأوفر.
وقال الجنيد: سمى خلقه عظيماً لاجتماع مكارم الأخلاق فيه، بدليل قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -: «إنَّ اللَّه بَعَثنِي لأتمِّمَ مكارِمَ الأخْلاق».

فصل


قال ابن الخطيب: قوله: ﴿وَإِنَّكَ لعلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ كالتفسير لما تقدم من قوله تعالى: ﴿بِنِعْمَةِ رَبِّكَ﴾ وتعريف لمن رماه بالجنون بأن ذلك كذب وخطأ؛ لأن الأخلاق الحميدة والأفعال المرضية كانت ظاهرة منه، وإذا كان موصوفاً بتلك الأخلاق والأفعال، لم يجز إضافة الجنون إليه؛ لأن أخلاق المجانين سيئة، ولما كانت أخلاقه الحميدة صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كاملة لا جرم وصفها الله بأنها عظيمة، ولهذا قال:
﴿مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَآ أَنَآ مِنَ المتكلفين﴾ [ص: ٨٦] أي: لست مكلفاً فيما يظهر لكم من الأخلاق، لأنه تعالى قال: ﴿أولئك الذين هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقتده﴾ [الأنعام: ٩٠] فهذا الهدي الذي أمر الله محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بالاقتداءِ به ليس هو


الصفحة التالية
Icon