قال ابنُ عباسٍ: هذا مثل لأهل مكة حين خرجوا إلى بدر، وحلفوا ليقتلنَّ محمداً، وأصحابه، وليرجعوا إلى أهل مكة، حتى يطوفوا بالبيت، ويشربوا الخمر، وتضرب القيانُ على رءوسهم، فأخلف الله ظنهم، وقتلوا وأسروا وانهزموا كأهل هذه الجنة لما خرجوا عازمين على الصرم، فخابوا.
فصل في العبرة من هذه الآية بضرب المثل
قال ابن الخطيب: قوله تعالى ﴿أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ إِذَا تتلى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأولين﴾ [القلم: ١٤ - ١٥]، والمعنى: لأجل أن أعطاه الله المال والبنين كفر بالله، كلا، بل الله تعالى إنما أعطاه ذلك للابتلاء، فإذا صرفه إلى الكفر دمر الله عليه، بدليل أن أصحاب الجنة لما أتوا بهذه المعصيةِ اليسيرةِ دمر الله جنتهم، فكيف حال من عاند الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وأصرَّ على الكفر والمعصيةِ.
فصل في بيان هل كان الحق واجباً عليهم أم لا؟
قيل: إن الحق الذي منعه أهل الجنَّة المساكين كان واجباً عليهم، ويحتمل أنه كان تطوعاً، والأول أظهر.
وقيل: السورة مكية، فبعد حمل الآية على ما أصاب أهل مكة من القحطِ، وعلى قتال بدر.
قوله: ﴿إِنَّ لِّلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النعيم﴾، أي: جناتٌ ليس فيها إلا النعيمُ الخالصُ لا يشوبه ما ينغصُه كما يشوب جناتِ الدنيا.
قال مقاتل: لما نزلت هذه الآية، قال كفَّارُ مكة للمسلمين: إن الله تعالى فضَّلنا عليكم في الدنيا فلا بد وأن يُفضِّلنا عليكم في الآخرة، فإن لم يحصل التفضيلُ، فلا أقل من المساواةِ. فأجاب الله عن هذا الكلام بقوله: ﴿أَفَنَجْعَلُ المسلمين كالمجرمين﴾، أي: إن التسوية بين المُطيع والعاصي غيرُ جائزة ثم وبَّخهُمْ فقال: ﴿مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ هذا الحكم الأعوج كأن أمر الجزاءِ مفوضٌ إليكم حتى تحكموا فيه.