وأصل «طعام» أن يكون منصوباً بالمصدر المقدر، والطعام عبارةٌ عن العين، وأضيف للمسكين للملابسةِ التي بينهما، ومن أعمل الطعام كما يعمل الإطعام، فموضع «المسكين» نصب، والتقدير: على إطعام المطعم المسكين، فحذف الفاعل، وأضيف المصدر إلى المفعول.
قوله: ﴿فَلَيْسَ لَهُ اليوم هَا هُنَا حَمِيمٌ﴾ في خبر «ليس» وجهان:
أحدهما: «له».
والثاني: هاهنا، وأيهما كان خبراً تعلق به الآخر، أو كان حالاً من «حميم»، ولا يجوز أن يكون «اليوم» خبراً ألبتة؛ لأنه زمان والمخبر عنه جثة.
ومنع المهدوي أن يكون «هاهُنَا» خبراً، ولم يذكر المانع.
وقد ذكره القرطبي فقال: «لأنه يصير المعنى: ليس هاهنا طعام إلا من غسلين، ولا يصح ذلك؛ لأن ثمَّ طعاماً غيره». انتهى وفي هذا نظر؛ لأنا لا نسلم أولاً أن ثمَّ طعاماً غيره، فإن أورد قوله: ﴿لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ﴾ [الغاشية: ٦] فهذا طعام آخر غير الغسلين.
فالجواب: أن بعضهم ذهب إلى أن الغسلين هو الضريع بعينه، فسمَّاه في آية «غسليناً» وفي أخرى «ضريعاً».
ولئن سلمنا أنهما طعامان، فالحصر باعتبار الآكلين، يعني: أنَّ هذا الآكل انحصر طعامه في الغسلين، فلا ينافي أن يكون في النار طعام آخر.
وإذا قلنا: إن «له» الخبر، وأن «اليوم»، و «هاهنا» متعلقان بما تعلق هو به، فلا إشكال، وكذلك إذا جعلنا «هاهنا» هو الخبر، وعلقنا به الجار والظرف، ولا يضرّ كون العامل معنوياً للاتساع في الظروف وحروف الجر.
وقوله: ﴿إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ﴾، صفة ل «طعام»، دخل الحصر على الصفة، كقولك: «ليس عندي إلا رجلٌ من بني تميم».
والمراد ب «الحميم» : الصديق، فعلى هذا الصفة مختصة بالطَّعام، أي: ليس له صديق ينفعه، ولا طعام إلا من كذا.
وقيل: التقدير: ليس له حميم إلاَّ من غسلين ولا طعام. قاله أبو البقاء.
فجعل «مِنْ غسْلِين» صفة ل «الحميم»، كأنه أراد الشَّيء الذي يحم به البدن من صديد النَّار.


الصفحة التالية
Icon