قوله: ﴿أَنِ اعبدوا الله﴾، إما أن تكون تفسيرية ل «نَذِيْر» أو مصدرية، والكلامُ فيها كالكلام في أختها كما تقدم، والمعنى: وَحِّدوا اللَّه واتَّقُوه، أي: خافوه «وأطِيعُونِ» فيما آمركم به؛ فإنِّي رسول الله إليكم.
﴿يَغْفِرْ لَكُم﴾ جزم «يَغْفِرْ» لجواب الأمر.
قوله: ﴿مِّن ذُنُوبِكُمْ﴾. في «مِنْ» هذه أوجه:
أحدها: أنَّها تبعيضية.
الثاني: أنَّها لابتداء الغايةِ.
الثالث: أنَّها لبيان الجنسِ، وهو مردود لعدم تقدم ما تبينُه.
الرابع: أنَّها مزيدةٌ. قال ابن عطية: وهو مذهب كوفيٌّ.
قال شهاب الدين: ليس مذهبهم ذلك؛ لأنهم يشترطون تنكير مجرورها، ولا يشترطون غيره. والأخفش لا يشترط شيئاً، فزيادتُها هنا ماشٍ على قوله لا على قولهم.
قال القرطبي: وقيل: لا يصح كونها زائدة؛ لأن «مِنْ» لا تزاد في الواجب، وإنما هي هنا للتبعيض، وهو بعض الذنوب، وهو ما لا يتعلق بحقوق المخلوقين.
وقال زيد بن أسلم: المعنى يُخرِجُكم من ذنوبكم.
وقال ابن شجرة: المعنى يغفر لكم من ذنوبكم ما استغفرتموه منها.
قوله: ﴿وَيُؤَخِّرْكُمْ إلى أَجَلٍ﴾.
قال الزمخشريُّ: فإن قلت: كيف قال: «يُؤخِّركُمْ» مع إخبارهِ بامتناع تأخيره؟.
قلتُ: قضى الله أنَّ قوم نوحٍ إن آمنوا عمَّرهُم ألف سنةٍ، وإن بقُوا على كفرهم أهلكهم على رأس تسعمائة، قيل لهم: إن آمنتم أخِّرتُم إلى الأجلِ الأطولِ، ثم أخبرهُم أنه إذا جاء ذلك الأجل الأمد لا يؤخَّرُ انتهى.
وقد تعلَّق بهذه الآية من يقول بالأجلين وتقدم جوابه.
وقال ابن عباسٍ: أي: يُنْسِىءُ في أعماركم، ومعناه: أنَّ الله - تعالى - كان قضى قبل خلقهم، إنْ هم آمنوا بارك في أعمارهم وإن لم يؤمنوا عوجلوا بالعذاب.
وقال مقاتل: يؤخركم إلى منتهى أعماركم في عافية فلا يعاقبكم بالقحطِ وغيره، فالمعنى على هذا: يؤخركم من العقوبات والشدائد إلى آجالكم.