الثاني: أنه تعالى حكى عن المتبوعين أنهم كان لهم مال وولد، فلعلهم قالوا لأتباعهم: إن آلهتكم خير من إله نوح؛ لأن آلهتكم يعطونكم المال والولد، وإله نوح [لا يعطيه شيئاً لأنه فقير] فصرفوهم بهذا المكر عن طاعة نوح، وهو مثل مكر فرعون إذ قال: ﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ﴾ [الزخرف: ٥١]، وقوله ﴿أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هذا الذي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ﴾ [الزخرف: ٥٢، ٥٣].
قوله: ﴿وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً﴾ [نوح: ٢٣] يجوز أن يكون من عطف الخاص على العام، إن قيل: إن هذه الأسماء لأصنام، وألا يكون إن قيل: إنها أسماء رجال صالحين على ما ذكر المفسِّرون.
وقرأ نافع: «وُدّاً» بضم الواو، والباقون: بفتحها.
وأنشد بالوجهين قول الشاعر: [البسيط]
٤٨٨٥ - حَيَّاكَ وُدٌّ فإنَّا لاَ يَحِلُّ لَنَا | لَهْوُ النِّساءِ، وإنَّ الدِّينَ قَدْ عَزَمَا |
٤٨٨٦ - فَحيَّاكَ وُدُّ مَنْ هداكَ لعِسِّهِ | وخُوص بأعْلَى ذِي فَضالة هجِّه |
وفي الصحاح: «والوَدُّ» بالفتح: الوتد في لغة أهل نجد، كأنهم سكنوا التاء وأدغموها في الدال. والود في قول امرىء القيس: [الرمل]
٤٨٨٧ - تُظْهِرُ الوَدَّ إذَا مَا أشْجَذتْ | وتُواريهِ إذَا ما تَشْتَكِرْ |
و «ود» : صنم كان لقوم نوح - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - ثم صار لكلب، وكان بدومةِ الجَندلِ، ومنه سموا بعبد ودّ.
قوله: ﴿وَلاَ يَغُوثُ وَيَعُوقَ﴾. قرأهما العامة بغير تنوين، فإن كانا عربيين: فالمنع من الصرف للعلمية والوزن، وإن كانا أعجميين: فالعجمة والعلمية.