ونقل القرطبيُّ عن القشيري أنه قال: هذه الآية تدل على عذاب القبرِ، ومنكروه يقولون: صاروا مستحقين دخول النار، أو عرض عليهم أماكنهم من النار، كقوله تعالى: ﴿النار يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً﴾ [غافر: ٤٦].
وقيل: أشار إلى ما في الخبر من قوله: «البحرُ نارٌ في نارِ».
وروى أبو روق عن الضحاك في قوله تعالى: ﴿أَغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً﴾، قال: يعني عذبوا بالنار في الدنيا في حالة واحدة، كانوا يغرقون في جانب ويحترقون في الماء من جانب. ذكره الثعلبي.
وأنشد ابن الأنباري: [البسيط]
٤٨٩١ - الخَلْقُ مُجتمِعٌ طَوْراً ومُفْتَرِقٌ | والحَادثَاتُ فُنونٌ ذاتُ أطوَارِ |
لا تَعْجَبنَّ لأضْدادٍ قَد اجْتمَعَتْ | فاللَّهُ يَجْمَعُ بينَ المَاءِ والنَّارِ |
قوله: ﴿فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُمْ مِّن دُونِ الله أَنصَاراً﴾، أي: من يدفع عنهم العذاب، وهذا يدل على أنهم إنما عبدوا تلك الأصنام لتدفع عنهم الآفاتِ، وتجلب المنافع إليهم فلما جاءهم العذاب لم ينتفعوا بتلك الأصنام، ولم يدفعوا عنهم العذاب وهو كقوله تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِّن دُونِنَا﴾ [الأنبياء: ٤٣].
﴿وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين دَيَّاراً﴾.
قال الزمخشريُّ: «ديَّاراً» من الأسماء المستعملة في النفي العام، يقال: ما بالدار ديار وديور، كقيَّام وقيُّوم، وهو «فَيْعَال» من الدارة أصله: «ديْوَار» ففعل به ما فعل بأصل «سيِّد وميِّت» ولو كان «فَعَّالاً» لكان «دوَّاراً» انتهى.
يعني أنه كان ينبغي أن تصح واوهُ ولا تقلب ياء، وهذا نظير ما تقدم له من البحث في «مُتَحيِّز» وأن أصله: «مُتَحَيْوز» لا «مُتَفعِّل» إذ كان يلزم أن يكون «متحوِّزاً» لأنه من «الحَوْز» ويقال فيه أيضاً: «دَوَّار» نحو «قيَّام وقوَّام».
وقال مكيٌّ: وأصله «ديْوَار» ثم أدغموا الواو في الياء مثل «ميِّت» أصله «ميْوِت» ثم أدغموا الثاني في الأول، ويجوز أن يكون أبدلوا من الواو ياء، ثم أدغموا الياء الأولى في الثانية.