قال ابن الخطيب: وطريقُ الجمع بين المذهبين مذهب ابن عباس ومذهب ابن مسعود من وجوه:
أحدها: لعل ما ذكره ابن عباس وقع أولاً فأوحى الله تعالى إليه بهذه السورةِ، ثم أمر بالخروج إليهم بعد ذلك كما روى ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما.
وثانيها: أن بتقدير أن تكون واقعة الجن مرة واحدة إلا أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ما رآهم، وما عرف أنَّهم ماذا قالوا، وأي شيءٍ فعلوا، فالله تعالى أوحى إليه أنه كان كذا وكذا، وقالوا كذا.
وثالثها: أن الواقعة كانت مرة واحدة، وهو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ رآهم، وسمع كلامهم، وهم آمنوا به، ثم رجعوا إلى قومهم، قالوا لقومهم على سبيل الحكايةِ: ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً﴾ وكان كذا وكذا فأوحى اللَّهُ تعالى إلى محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ما قالوه لأقوامهم.
قال ابن العربي:» ابن مسعود أعرفُ من ابن عباس، لأنه شاهده، وابن عباس سمعهُ، وليس الخبرُ كالمعاينة «.
قال القرطبي: وقيل: إن الجنَّ أتوا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ دفعتين.
أحدهما: بمكة وهي التي ذكرها ابن مسعود.
والثانية: بنخلة وهي التي ذكرها ابن عباس.
قال البيهقيُّ: الذي حكاه عبد الله إنما هو في أول ما سمعت الجنُّ قراءة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وعلمت بحاله، وفي ذلك الوقت لم يقرأ عليهم ولم يرهم كما حكاه عبد الله بن عباس ثم أتاه داعي الجنِّ مرة أخرى فذهب معه وقرأ عليهم القرآن كما حكاه عبد الله بن مسعود.
فصل في لفظ»
قل «
قال ابن الخطيب: اعلم أنَّ قوله تعالى: قُلْ» أمر لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يظهر لأصحابه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم - ما أوحى إليه تعالى في واقعة الجنِّ، وفيه فوائد.
أحدها: أن يعرفوا بذلك أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بُعث إلى الجن، كما بعث إلى الإنس.
وثانيها: أن تعلم قريش أنَّ الجنَّ مع تمردهم لما سمعُوا القرآن عرفوا إعجازه فآمنوا بالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.