آمنَّا بِهِ «، فيه بعدٌ في المعنى؛ لأنهم لم يخبروا أنهم آمنوا، بأنهم لما سمعوا الهدى آمنوا به، ولم يخبروا أنَّهم آمنوا أنه كان رجال، إنما حكى الله عنهم أنهم قالوا ذلك مخبرين به عن أنفسهم لأصحابهم، فالكسر أولى بذلك»
وهذا الذي قاله غير لازم، فإن المعنى على ذلك صحيح، وقد سبق الزمخشري إلى هذا التخريج الفرَّاء والزجاج، إلا أن الفراء استشعر إشكالاً وانفصل عنه، فإنه قال: فتحت «أن» لوقوع الإيمان عليها، وأنت تجد الإيمان يحسن في بعض ما فتح دون بعض فلا يمنع من إمضائهن على الفتح، فإنه يحسن فيه ما يوجب فتح «أن» نحو: صدقنا، وشهدنا، كما قالت العرب: [الوافر]
٤٨٩٣ - وزَجَّجْنَ الحَواجِبَ والعُيُونَا... فنصب «العيونَ» لإتباعها «الحواجب»، وهي لا تزجج إنما تكحل، فأضمر لها الكحل. انتهى فأشار إلى شيء مما ذكره وأجاب عنه.
وقال الزجاج: «لكن وجهه أن يكون محمولاً على» آمنَّا بِهِ «وصدقناه وعلمناه، فيكون المعنى: صدقنا أنه تعالى جد ربِّنا ما اتخذ صاحبة».
الثالث: أنه معطوف على الهاء في «بِهِ»، أي: آمنا به وبأنه تعالى جد ربنا، وبأنه كان يقول - إلى آخره - وهو مذهب الكوفيين.
وهو، وإن كان قوياً من حيثُ المعنى، إلا أنه ممنوع من حيث الصناعة لأنه لا يعطف على الضمير المجرور، إلا بإعادة الجار.
وتقدم تحرير هذين القولين في سورة «البقرة» عند قوله:
﴿وَكُفْرٌ بِهِ والمسجد الحرام﴾ [البقرة: ٢١٧] على أن مكياً قد قوى هذا المدرك، وهو حسن جداً، فقال: هو يعني العطف على الضمير المجرور دون إعادة الجار في «أن» أجود منه في غيرها لكثرة حذف حرف الجر «إلى» مع «أن».
ووجه الكسر: العطف على «إن» في قوله: «إنَّا سَمعْنَا» فيكون الجميع معمولاً للقول فقالوا: «إنَّا سَمِعْنَا»، وقالوا: «إنَّه تعَالى جَدُّ ربِّنَا» إلى آخرها.
وقال بعضهم: الجملتان من قوله تعالى: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإنس﴾، ﴿وَأَنَّهُمْ ظَنُّواْ﴾ معترضتان بين قول الجن، وهما من كلام الباري تعالى.
والظاهر أنه من كلامهم قاله بعضهم لبعض.