قوله: ﴿وَأَنَّا مِنَّا المسلمون وَمِنَّا القاسطون﴾. أي: وأنا بعد استماع القرآن مختلفون، فمنا من أسلم ومنا من كفر، والقاسط: الجائر لأنه عادل عن الحق، والمقسط: العادل لأنه عادل إلى الحق، قسط: إذا جار، وأقسط: إذا عدل؛ قال: [الكامل]
٤٩٠٨ - قَوْمٌ همُ قتلُوا ابنَ هِنْدٍ عَنْوةً | عَمْراً وهُمْ قَسطُوا على النُّعمَانِ |
قال: إنَّك قاسط عادل، فقال الحاضرون: ما أحسن ما قال، فقال: يا جهلة، جعلني كافراً جائراً، وتلا قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا القاسطون فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً﴾. وقرأ ﴿ثْمَّ الذين كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ [الأنعام: ١].
قوله: ﴿فَمَنْ أَسْلَمَ فأولئك تَحَرَّوْاْ رَشَداً﴾.
أي: قصدوا طريق الحقِّ، وتوخوه، وطلبوه باجتهاد، ومنه التحري في الشيء.
قال الراغبُ: «حرى الشيء يحري، أي: قصد حراه، أي: جانبه، وتحراه كذلك، وحَرَى الشيء يَحْرِي، نقص، كأنَّه لزم حراه، ولم يمتد؛ قال الشاعر: [الكامل]
٤٩٠٩ -................................. والمَرْءُ بَعْدَ تمامهِ يَحْرِي
ويقال: رماه الله بأفعى حارية، أي: شديدة» انتهى.
وكأن أصله من قولهم: هو حريٌّ بكذا، أي حقيق به. و «رَشَداً» مفعول به.
والعامة قرأوا: «رشداً» - بفتحتين - والأعرج: بضمة وسكون.
قوله: ﴿وَأَمَّا القاسطون﴾. أي: الجائرون عن طريق الحق والإيمان ﴿فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً﴾ أي: وقوداً، وقوله «فَكانُوا» أي: في علم الله تبارك وتعالى.
فإن قيل: ذكر عقاب القاسطين ولم يذكر ثواب المسلمين.
فالجواب: بل ذكر ثواب المؤمنين بقوله ﴿تَحَرَّوْاْ رَشَداً﴾ أي: تَحرَّوا رشداً عَظِيماً لا يعلم كنهه إلاَّ الله تعالى، ومثل هذا لا يتحقق إلا بالثَّواب.
فإن قيل: فإنَّ الجنَّ مخلوقون من النَّار، فكيف يكونون حطباً للنار؟.
فالجواب: أنّهم وإن خلقوا من النار لكنهم تغيروا عن تلك الكيفية فيصيرون لحماً، ودماً هكذا قيل.