والبَتْلُ: الانقطاع، ومنه امرأة بتول، أي: انقطعت من النكاح، وبتلت الحبل: قطعته.
قال الليثُ: التبتل: تمييز الشيء من الشيء، وقالوا: طَلْقةٌ بَتْلةٌ، يعنون انقطاعها عن صاحبها، فالتبتُّل: ترك النكاح والزهد فيه، ومنه سمي الراهب متبتلاً لانقطاعه عن النكاح؛ قال امرؤ القيس: [الطويل]

٤٩٢٦ - تُضِيءُ الظَّلامَ بِالعشَاءِ كأنَّها مَنارةُ مُمْسَى رَاهبٍ مُتبتِّلِ
ومنه الحديث: أنه نهى عن التبتل، وقال: «يَا مَعْشَرَ الشَّبابِ، من اسْتَطَاعَ مِنْكمُ البَاءَةَ فَليتَزوَّجْ» والمراد به في الآية الكريمة: الانقطاع إلى عبادة الله تعالى دون ترك النكاح.
والتبتل في الأصل: الانقطاع عن الناس، والجماعات، وقيل: إن أصله عند العرب التفرد. قاله ابن عرفة.
قال ابن العربي: «هذا فيما مضي، وأما اليوم، وقد مرجت عهود الناس، وخفت أماناتهم، واستولى الحرام على الحطام، فالعزلة خير من الخلطة، والعُزبة أفضل من التأهل، ولكن معنى الآية: وانقطع عن الأوثان، والأصنام، وعن عبادة غير الله.
وكذلك قال مجاهد: معناه: أخلص له العبادة، ولم يرد التبتل، فصار التبتُّلُ مأموراً به في القرآن، مَنْهِيّاً عنه في السنَّةِ، ومتعلق الأمر غير متعلق النهي فلا يتناقضان، وإنما بعث ليبينَ للناس ما نزل إليهم، والتبتل المأمور به: الانقطاع إلى الله بإخلاص كما قال تعالى:
﴿وَمَآ أمروا إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين﴾ [البينة: ٥]، والتبتل المنهي عنه: سلوك مسلك النصارى في ترك النكاحِ، والترهب في الصوامع، لكن عند فساد الزمان يكون خير مال المسلمِ غنماً يتبع بها شعف الجبال، ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن «.
قوله: ﴿رَّبُّ المشرق والمغرب﴾.
قرأ الأخوان وأبو بكر وابن عامرٍ: بجر»
ربِّ «على النعت ل» ربِّك «، أو البدل منه، أو البيان له.
وقال الزمخشري: وعن ابن عباس: على القسم بإضمار حرف القسمِ، كقولك:»
والله لأفعلنَّ «وجوابه» لا إله إلاَّ هُو «، كما تقول:» والله لا أحد في الدار سوى زيد «.


الصفحة التالية
Icon