قال: «قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:» أتَيْتُ لَيْلةَ أسْري بِي عَلَى قوْمٍ تُقْرَضُ شِفاهُهُمْ بِمقاريضَ مِنْ نارٍ، كُلَّما قُرِضتْ عادتْ، قُلْتُ: مَنْ هؤلاء يَا جِبْريْلُ؟.
قال: هَؤلاءِ خُطَبَاءُ أمَّتِكَ الذينَ يقُولُونَ ولا يَفْعَلُون ويقرءُونَ كِتَابَ اللَّهِ ولا يعملُون بِهِ «
فصل
قوله: ﴿لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ﴾.
استفهام على جهة الإنكار والتوبيخ، على أن يقول الإنسان عن نفسه من الخير ما لا يفعله، أما في الماضي، فيكون كذباً، وفي المستقبل، يكون خلفاً، وكلاهما مفهوم.
قال الزمخشري: هي لام الإضافة، دخلت على» ما «الاستفهامية، كما دخل عليها غيرها من حروف الجر في قولك:» بم، وفيم، وعمَّ «، وإنما حذفت الألف؛ لأن» ما «والحرف كشيء واحد، ووقع استعمالها في كلام المستفهم»، ولو كان كذلك لكان معنى الاستفهام واقعاً في قوله تعالى: ﴿لِمَ تَقُولُونَ﴾، والاستفهام من الله تعالى مُحَال؛ لأنه عالم بجميع الأشياء، والجواب هذا إذا كان المراد حقيقة الاستفهام، وأما إذا كان أراد إلزام من أعرض عن الوفاء مما وعد أو أنكر الحق وأصرَّ على الباطل فلا.
وتأول سفيانُ بنُ عيينة قوله: ﴿لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ﴾ أي: لم تقولون [ما ليس الأمر فيه] إليكم، فلا تدرون هل تفعلون، أو لا تفعلون، فعلى هذا يكون الكلام محمولاً على ظاهره في إنكار القول.
قوله: ﴿كَبُرَ مَقْتَاً﴾. فيه أوجه:
أحدها: أن يكون من باب: «نعم وبئس»، فيكون في «كَبُر» ضمير مبهم مفسر بالنكرة بعده، و «أن تقُولُوا» هو المخصوص بالذم، فيجيء فيه الخلاف المشهور: هل رفعه بالابتداء وخبره الجملة مقدمه عليه؟ أو خبره محذوف، أو هو خبر مبتدأ محذوف، كما تقدم تحريره؟.
وهذه قاعدة مطردة: كل فعل يجوز التعجّب منه، يجوز أن يبنى على «فَعُل» - بضم العين - ويجري مجرى «نعم وبئس» في جميع الأحكام.