تعالى: ﴿عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مرضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأرض يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ الله وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله﴾، وإنما فرض القتال بالمدينة، فعلى هذا بيان المواقيت جرى بمكة، فقيام الليل نسخ بقوله: ﴿وَمِنَ الليل فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ﴾ [الإسراء: ٧٩].
وقال ابن عباس: لما قدم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ المدينة نسخ قول الله - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ﴾، وجوب قيام الليل

فصل في علة تخفيف قيام الليل


قوله: ﴿عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مرضى﴾ بيَّن سبحانه علة تخفيف قيام الليل، فإن الخلق منهم المريض، ويشق عليه قيام الليل، ويشق عليه أن تفوته الصلاة، والمسافر في التجارات قد لا يطيق قيام الليل، والمجاهد كذلك، فخفَّف الله عن الكل لأجل هؤلاء.
وقال ابن الخطيب: لمَّا علم الله تعالى أعذار هؤلاء، يعني المريض، والمسافر، والمجاهد، فلو لم يناموا بالليل لتوالت عليهم أسباب المشقة، وهذا السبب ما كان موجوداً في حق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كما قال تعالى: ﴿إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً﴾ [المزمل: ٧] فلا جرم لم ينسخ وجوب التهجد في حقه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ.
و «أن» في قوله: «أنْ سيَكونُ» مخففة من الثقيلة، أي: علم أنه سيكون.
قوله: «وآخَرُونَ» عطف على «مَرْضَى»، أي: علم أن سيوجد منكم قوم مرضى، وقوم آخرون مسافرون، ف «يَضْربُونَ» نعت ل «آخَرُونَ» وكذلك «يَبْتَغُونَ»، ويجوز أن يكون «يبتغون» حالاً من فاعل «يَضْرِبُونَ»، و «آخَرُونَ» عطف على «آخَرُونَ» و «يُقَاتلُونَ» صفته.

فصل في بيان أن الكسب الحلال كالجهاد


سوى الله تعالى في هذه الآية بين درجة المجاهدين، والملتمسين للمال الحلال للنفقة على نفسه، وعياله، والإحسان، فكان هذا دليلاً على أن كسب المال بمنزلة الجهاد؛ لأنّ جمعه من الجهاد في سبيل الله.
قال - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -: «» مَا مِنْ جَالبٍ يَجلبُ طَعاماً مِنْ بَلدٍ إلى بَلدٍ، فيَبيعُهُ بِسْعرٍ يَومِهِ إلاَّ كانتْ مَنزِلتُهُ عنْدَ اللَّهِ تعالى مَنْزلةَ الشُّهداءِ «ثُمَّ قَرَأ رسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: ﴿وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأرض يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ الله وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله﴾ ».


الصفحة التالية
Icon