وقيل: المعنى في حقِّ الأمة هو الرياءُ، واللَّهُ تعالى منع الكل من ذلك.
فإن قيل: هل هذا نهي تحريم أو تنزيه؟
فالجواب: أن ظاهر النهي التحريم.
فصل في المقصود من الآية
قال القفال: يحتمل أن يكون المقصود من الآية أن يحرم على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يعطي أحداً شيئاً لطلب عوض سواء كان العوض زائداً أو ناقصاً، أو مساوياً، ويكون معنى قوله تعالى ﴿تَسْتَكْثِرُ﴾، أي: طالباً للكثرة كارهاً أن ينتقص المال بسبب العطاءِ، فيكون الاستكثار - هاهنا - عبارة عن طلب العوض كيف كان، وإنما حسنت هذه العبارةُ، لأن الغالب أن الثواب زائد على العطاء، فسمى طلب الثواب استكثاراً، حملاً للشيء على أغلب أحواله، كما أن الأغلب أن المرأة إنما تتزوج، ولها ولد للحاجة إلى من يربي أغلب أن المرأة إنما تتزوج، ولها ولد للحاجة إلى من يربي ولدها، فسمي الولد ربيباً، ثم اتسع الأمر، وإن كان حين تتزوج أمه كبيراً، ومن ذهب إلى هذا القول قال: السبب فيه أن يصير عطاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ خالياً عن انتظار العوض، والتفات النفس إليه فيكون ذلك خالصاً مخلصاً لوجه الله تعالى.
قال القرطبي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: «أظهر الأقوال قول ابن عباس» لا تعط لتأخذ أكثر مما أعطيت من المال «يقال: مننت فلاناً كذا، أي: أعطيته، ويقال للعطية: المنة فكأنه أمر بأن تكون عطاياه لله، لا لارتقاب ثواب من الخلق عليها، لأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ما كان يجمع للدنيا، ولهذا قال:
«مَا لي ممَّا أفَاء اللَّهُ عليَّ إلا الخُمْسَ، والخمس مَردُودٌ عَليْكُمْ» وكان ما يفضل عن نفقة عياله مصروفاً إلى مصالح المسلمين، ولهذا لم يورث «.
قوله: ﴿وَلِرَبِّكَ فاصبر﴾ التقديم على ما تقدم. وحسنه كونه رأس فاصلة موافياً لما تقدم.
﴿وَلِرَبِّكَ﴾ يجوز فيه وجهان:
أحدهما: أن تكون لام العلة، أي: لوجه ربِّك فاصبر، أي: على أذى الكفار وعلى عبادة ربك، وعلى كل شيء مما لا يليق فترك المصبور عليه، والمصبور عنه للعلم بهما.
والأحسن أن لا يقدر شيء خاص بل شيء عام.
والثاني: ان يضمن» صبر «معنى:» أذعن «، أي: أذعن لربِّك، وسلم له أمرك صابراً، لقوله تعالى: ﴿فاصبر لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾ [القلم: ٤٨].
قوله: ﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي الناقور﴾.