وقال: أنا أحتاجُ إلى كسرِ محمدٍ وصاحبه، وأنتم تعلمون قدر مالي، واللاتِ والعُزَّى ما بي حاجةٌ إلى ذلك وأنتم تزعمُون أن محمداً مجنون، فهل رأيتموه قط يخنق؟.
قالوا: لا والله، قال: وتزعمون أنه كاهنٌ، فهل رأيتموه تكهن قط؟ ولقد رأينا للكهنةِ أسجاعاً وتخالجاً، فهل رأيتموهُ كذلك؟.
قالوا: لا والله. وقال: تزعمون أنه شاعر فهل رأيتموه نطق بشعر قط؟ قالوا: لا والله.
قال: وتزعمون أنه كذَّاب، فهل جريتمْ عليه كذباً قط؟.
قالوا: لا والله. وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يُسمَّى الصادق والأمين من كثرة صدقه، فقالت قريش للوليدِ: فما هو؟ ففكّر في نفسه ثم نظر ثم عبس، فقال: ما هذا إلا سحرٌّ أما رأيتموه يفرق بين الرجل وولده فذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ﴾ أي في أمر محمدٍ والقرآن «وقدر» في نفسه ماذا يمكنهُ أن يقول فيهما.
قوله: ﴿فَقُتِلَ﴾، أي: لعنَ.
وقيل: قُهِرَ وغلبَ.
وقال الزهري: عذب، وهو من باب الدعاء.
قال ابن الخطيب: وهذا إنما يذكرُ عند التعجب والاستعظام.
ومثله قولهم: قتلهُ اللَّهُ ما أشجعهُ، وأخزاه الله ما أفجره، ومعناهُ: أنه قد بلغ المبلغ الذي هو حقيق بأن يحسد ويدعو عليه حاسدهُ بذلك، وإذا عرف ذلك، فنقول: هنا يحتملُ وجهين:
الأول: أنه تعجب من قوة خاطره، يعني أنه لا يمكن القدحُ في أمر محمدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بشبهةٍ أعظم ولا أقوى مما ذكرهُ هذا القائلُ.
الثاني: الثناءُ عليه على طريقةِ الاستهزاء، يعني أن هذا الذي ذكره في غاية الركاكة والسقوط.
قوله: ﴿كَيْفَ قَدَّرَ﴾، أي: كيف فعل هذا، كقوله تعالى: ﴿انظر كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأمثال﴾ [الإسراء: ٤٨] ثم قيل: بضرب آخر من العقوبة. «كيف قدَّر» على أيّ حال قدَّر. «ثم نظر» بأي شيء يردّ الحق ويدفعهُ.
قال ابن الخطيب: والمعنى أنه أولاً فكّر.
وثانياً: قدَّر. وثالثاً: نظر في ذلك المقدرِ، فالنظر السابق للاستخراج، والنظر اللاحق لتمام الاحتياطِ، فهذه المرات الثلاث متعلقة بأحوال ثلاث.


الصفحة التالية
Icon