وفيه وجه آخر وهو: أنَّ المراد أن أصحاب اليمين كانوا يتساءلون عن المجرمين أين هم؟ فلما رأوهم، قالوا لهم: ما سلككم في سقر؟ والإضمارات كثيرة في القرآن.
قوله: ﴿مَا سَلَكَكُمْ﴾ : يجوز أن يكون على إضمار القول، وذلك في موضع الحال أي: يتساءلون عنهم قائلين لهم: ما سلككم؟ قال الزمخشري: فإن قلت: كيف طابق بعد قوله: «ما سلككم» وهو سؤال المجرمين، قوله: ﴿يَتَسَآءَلُونَ عَنِ المجرمين﴾، وهو سؤال عنهم، وإنما كان يتطابق ذلك لو قيل: يتساءلون المجرمين: ما سلككم؟.
قلت: قوله تعالى: ﴿مَا سَلَكَكُمْ﴾ ليس ببيانٍ للتساؤل عنهم وإنما هو حكاية قول المسئولين عنهم؛ لأن المشركين يلقون إلى السائلين ما جرى بينهم وبين المجرمين، فيقولون: قلنا لهم: ما سلككم في سقر؟ أي: أدخلكم في سقر، كما تقول: سَلكْتُ الخَيْط في كذا إذا أدخلته فيه، والمقصود من هذا: زيادة التوبيخ والتخجيل، والمعنى: ما أدخلكم في هذه الدركةِ من النار؟ فأجابوا: أن العذاب لأمور أربعة، ثم ذكروها وهي قولهم: ﴿لَمْ نَكُ مِنَ المصلين﴾.
قال الكلبيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: يسألُ الرجلُ من أهل الجنة الرجلَ من أهل النار باسمه فيقول له: يا فلانُ.
وفي قراءة عبد الله بن الزبير: يا فلان، ما سلككم في سقر؟ وهي قراءة على التفسير؛ لا أنها قرآن كما زعم من طعن في القرآن. قاله ابن الأنباري.
وقيل: إن المؤمنين يسألون الملائكة عن أقربائهم، فتسأل الملائكة المشركين، فيقولون لهم: ما سلككم في سقر؟.
قال الفراء: في هذا ما يقوي أن أصحاب اليمين هم الولدان؛ لأنهم لا يعرفون الذنوب.
قوله: ﴿لَمْ نَكُ مِنَ المصلين﴾، هذا هو الدالُّ على فاعل «سلكنا كذا» الواقع جواباً لقول المؤمنين لهم: «ما سلككم» [والتقدير: سلكنا عَدمُ صلاتنا كذا وكذا.
قال أبو البقاء: هذه الجملة سدّت مسدّ الفاعل، وهو جواب: ما سلككم، وهو نظير «مناسككم»، وقد تقدم في «البقرة» ]
فصل في تفسير الآية
قال القرطبي: معنى قولهم: ﴿لَمْ نَكُ مِنَ المصلين﴾ أي: المؤمنين الذين يصلون ﴿وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ المسكين﴾ أي: لم نكن نتصدق.