وهذا عند بعضهم، من ذلك التقدير: والله لأنا أقسم.
الثاني: أنه فعل مستقبل، وإنَّما لم يأتِ بنون التوكيدِ؛ لأنَّ أفعال الله - تعالى - حقٌّ وصدقٌ فهي غنيةٌ عن التأكيد بخلاف أفعال غيره، على أن سيبويه حكى حذف النون، إلا أنه قليل، والكوفيون: يجيزون ذلك من غير قلَّة، إذ من مذهبهم جواز تعاقب اللام والنون فمن حذف اللام قوله: [الكامل]

٤٩٨٢ - وقَتيلُ مُرَّة أثْأرنَّ فإنَّهُ فَرْغٌ وإنَّ أخَاكمُ لَمْ يَثْأرِ
أي لأثأرن، ومن حذف النون وهو نظير الآية الكريمة قول الآخر: [الطويل]
٤٩٨٣ - لَئِن تَكُ قَدْ ضَاقتْ عليكَم بُيوتكُمْ ليَعلمُ ربِّي أنَّ بَيْتِيَ واسِعُ
الثالث: أنَّها لامُ الابتداء، وليست بلام القسم.
قال أبو البقاء: كقوله: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ﴾ [النحل: ١٦٤]. والمعروف أنَّ لام الابتداء لا تدخل على المضارع إلاَّ في خبر «إنَّ» نحو: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ﴾ [النحل: ١٦٤] وهذه الآية نظير الآية التي في سورة يونس: ﴿وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ﴾ [يونس: ١٦] فإنهما قرآها بغير الألف. والكلام فيها قد تقدم.
ولم يختلف في قوله: «ولاَ أقسم» أنه بالألف بعد «لا» ؛ لأنه لم يرسم إلاَّ كذا بخلاف الأول، فإنه رسم بدون ألفٍ بعد «لا»، وكذلك في قوله تعالى ﴿لاَ أُقْسِمُ بهذا البلد﴾ [البلد: ١] لم يختلف فيه أنه بألف بعد «لا»، وجواب القسم محذوف، تقديره: لتبعثنّ، دل عليه قوله ﴿أَيَحْسَبُ الإنسان﴾ [القيامة: ٣].
وقيل: الجواب: «أيَحْسَبُ».
وقيل: هو ﴿بلى قَادِرِينَ﴾ [القيامة: ٤]، ويروى عن الحسن البصري.
وقيل: المعنى على نفي القسم، والمعنى: إنِّي لا أقسم على شيء، ولكن أسألك أيحسب الإنسان.
وهذه الأقوال شاذَّة منكرة، ولا تصح عن قائلها لخروجها عن لسان العرب، وإنما ذكرناها تنبيهاً على ضعفها.

فصل في معنى الآية


قال ابن عباس وابن جبير: معنى الكلام: أقسمُ بيوم القيامة، وهو قول أبي عبيدة، ومثله قوله: [الطويل]


الصفحة التالية
Icon