بلى «نحن» قادرون « ﴿على أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ﴾ والبنانُ عند العرب: الأصابع، واحدُها بنانةٌ؛ قال عنترة: [الوافر]

٤٩٨٥ - وأنَّ المَوْتَ طَوْعُ يَدِي إذَا مَا وصَلْتُ بَنانَهَا بالهِنْدُوَانِي
فنبه بالبنان على بقية الأعضاء.
وأيضاً: فإنها أضعف العظام فخصها الله - عَزَّ وَجَلَّ - بالذكر لذلك.
قال القتبي والزجاج: وزعموا أن الله تعالى لا يبعث الموتى، ولا يقدرعلى جمع العظام، فقال الله تعالى: بلى قادرين على أن نعيد السُّلاميات على صغرها، ونُؤلِّف بينها حتى تستوي، ومن قدر على هذا فهو على جميع الكبار أقدرُ.
وقال ابن عباس وعامة المفسرين: ﴿على أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ﴾ أن نجعل أصابع يديه ورجليه شيئاً واحداً كخُفِّ البعير، أو كحافر الحمار، أو كظلفِ الخنزيرِ، ولا يمكنه أن يعمل به شيئاً ولكنا فرقنا أصابعه حتى يفعل بها ما يشاء.
وقيل: نقدر أن نُعيد الإنسان في هيئة البهائم، فكيف في صورته التي كان عليها، وهو كقوله تعالى: ﴿وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ على أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [الواقعة: ٦٠، ٦١].
والقول الأول أشبه بمساق الآية.

فصل في الكلام على الآية


قال ابن الخطيب رَحِمَهُ اللَّهُ: وفي الآية إشكالات:
أحدها: ما المناسبة بين القيامة والنَّفس اللوامة حتى جمع الله بينهما في القسم؟.
وثانيها: على وقوع القيامة
وثالثها: قال جل ذكره: أقسم بيوم القيامة ولم يقل: والقيامة، كما قال - عَزَّ وَجَلَّ - في سائر السور: ﴿والطور﴾ [الطور: ١] ﴿والذاريات﴾ [الذاريات: ١]، ﴿والضحى﴾ [الضحى: ١].
والجواب عن الأول من وجوه:
أحدها: أنَّ أحوال القيامة عجيبة جدّاً، ثُمَّ المقصود من إقامة القيامة إظهار أحوال النُّفوس على ما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «مَنْ عَرفَ نَفْسَهُ عرَفَ رَبَّهُ»
ومن أحوالها العجيبة قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦]، وقوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة عَلَى


الصفحة التالية
Icon