وقال مقاتل: ولو أدلى بعُذرٍ أو حجة لم ينفعه ذلك، نظيره قوله تعالى: ﴿وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ﴾ [المرسلات: ٣٦] فالمعاذير على هذا مأخوذة من العُذْر.
وحكى الماوردي عن ابن عباس: " ولو ألقى معاذيره " أي ولو تجرد من ثيابه. قوله: ﴿لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾.
قال بعض الرافضة: عدم مناسبتها لما قبلها يدل على تغيير القرآن.
قال ابن الخطيب: وفي مناسبتها وجوه:
الأول: لعل استعجال الرسول إنما كان عند نزول هذه الآيات.
الثاني: أنه تقدم أن الإنسان يستعجل بقوله: ﴿لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ﴾ ثم بين أن العجلة مذمومة في أمر الدين، فقال تعالى: ﴿لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾، وقال تعالى بعدها: ﴿بَلْ تُحِبُّونَ العاجلة﴾ [القيامة: ٢٠].
الثالث: أنه قدم ﴿بَلِ الإنسان على نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ﴾ وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إنما يستعجل خشية النسيان، فقيل له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إن الأمور لا تحصل إلا بتوفيق الله - تعالى - وإعانته، فاعتمد على الله - تعالى - واترك التعجيل.
الرابع: كأنه قيل: غرضك من هذا التعجيل أن تحفظه، وتبلغه إليهم ليظهر صدقك، وقبح عنادهم، لكنهم يعلمون ذلك بقلوبهم، فلا فائدة في هذا التعجيل.
الخامس: أن الكافر لما قال: «أين المَفر» ؟ كأنه يطلب الفرار من الله تعالى، فكن أنت يا محمد على مضادة الكافر، وفر من غير الله إلى الله.
السادس: قال القفالُ: الخطاب مع الإنسان المذكور في قوله ﴿يُنَبَّأُ الإنسان﴾ فإذا قيل له: اقرأ كتابك تلجلج لسانه، فيقال له: لا تعجل، فإنه يجب علينا بحكم الوعد، أو بحكم الحكمة أن نجمع أعمالك ونقرأها عليك، فإذا قرآناه فاتَّبعْ قرآنه بالإقرار ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾، وهذا فيه وعيد شديد وتهويل.
روى الترمذي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - قال: كان


الصفحة التالية
Icon