ويقال: وجوه متناظرة، أي: متقابلة ويقال: انظر إليه حتى تراه، فتكون الرؤية غاية للنظر، وأن النظر يحصل والرؤية غير حاصلة وقال: [الوافر]

٥٠٠١ - وجُوهٌ نَاظرَاتٌ يَوْمَ بَدْرٍ إلى الرَّحْمنٍ تَنتظِرُ الخَلاصَا
ولا رؤية مع النظر المقرون ب «إلى»، وقال تعالى: ﴿وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ القيامة﴾ [آل عمران: ٧٧] ومن قال: لا يراهم، كفر، قالوا: ويمكن أن يكون معنى قوله تعالى: ﴿نَاظِرةٌ﴾ أي: منتظرة كقولك: أنا أنظر إليك في حاجتي، أو يكون «إلى» مفرد «آلاء» وهي النعم - كما تقدم - والمراد: إلى ثواب ربها؛ لأن الأدلة العقلية والسمعية لما منعت الرؤية وجب التأويل، أو يكون المعنى أنها لا تسأل، ولا ترغب إلا إلى الله عَزَّ وَجَلَّ، كقوله: «اعْبُد الله كأنَّك تَرَاهُ».
قال ابن الخطيب: والجواب: لنا مقامان:
أحدهما: أن نقول: النظر هو الرؤية كقول موسى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ: ﴿رَبِّ أرني أَنظُرْ إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: ١٤٣]، فلو كان المراد تقليب الحدقة نحو المرئي لاقتضت الآية إثبات الجهة والمكان، ولأنه أخر النظر عن الإرادة فلا يكون تقليب.
المقام الثاني: سلمنا ما ذكرتموه من أن النظر تقليب الحدقة للرؤية، لكن يقدر حمله على الحقيقة، فيجب الحمل على الرؤية إطلاقاً لاسم السبب على المسبب، وهو أولى من حمله على الانتظار لعدم الملازمة؛ لأن تقليب الحدقة كالسبب للرؤية، ولا تعلق بينه وبين الانتظار.
وأم قولهم: نحمله على الانتظار قلنا: الذي هو بمعنى الانتظار، وفي القرآن غير مقرون، كقوله تعالى: ﴿انظرونا نَقْتَبِسْ﴾ [الحديد: ١٣]، ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ﴾ [الأعراف: ٥٣]، والذي ندّعيه أن النظر المقرون ب «إلى» ليس بمعنى الرؤية؛ لأن وروده بمعنى الرؤية، أو بالمعنى الذي يستعقب الرؤية ظاهر، فلا يكون بمعنى الانتظار دفعاً للاشتراك وقوله: «وجوه ناظرات يوم بدر». شعر موضوع، والرواية الصحيحة: [الوافر]
٥٠٠٢ - وجُوهٌ نَاظِراتٌ يَوْمَ بَكْرٍ إلى الرَّحمنِ تَنتظِرُ الخَلاصَا
والمراد من هذا الرحمن: مسيلمة الكذاب؛ لأنهم كانوا يسمُّونه رحمن اليمامة، وأصحابه كانوا ينظرون إليه ويتوقعون منه الخلاص من الأعداء.
وقولهم: هو مفرد «آلاء» أي: نعمة ربها.


الصفحة التالية
Icon