الأصناف، فإن قيل: قال أولاً: ﴿وَلَوْ كَرِهَ الكافرون﴾، وقال ثانياً: ﴿وَلَوْ كَرِهَ المشركون﴾ فما الفائدة؟.
فالجواب: إذا أنكروا الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وما أوحي إليه من الكتاب، وذلك من نعمة الله تعالى، والكافرون كلهم في كفران النعم سواء فلهذا قال: ﴿ولو كره الكافرون﴾، ولأن لفظ الكافر أعم من لفظ المشرك، فالمراد من الكافرين هنا: اليهود والنصارى والمشركون، فلفظ الكافر أليق به، وأما قوله: ﴿وَلَوْ كَرِهَ المشركون﴾، فذلك عند إنكارهم [التوحيد] وإصرارهم عليه، فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ دعاهم في ابتداء الدعوة إلى التوحيد ب «لا إله إلا الله»، فلم يقولوا: «لا إله إلا الله»، فلهذا قال: ﴿وَلَوْ كَرِهَ المشركون﴾.
قوله تعالى: ﴿هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ﴾ يعني: محمداً «بالهُدَى» أي: بالحقِّ والرشاد، ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلِّهِ﴾ بالحُجَج، ومن الظهور الغلبة باليد في القتال، وليس المراد بالظهور: أن لا يبقى دين [آخر] من الأديان، بل المراد: أن يكون أهل الإسلام عالين غالبين، ومن الإظهار ألا يبقى دين آخر سوى الإسلام في آخر الزمان.
قال مجاهدٌ: ذلك إذا أنزل الله عيسى، لم يكن في الأرض دين إلاَّ دين الإسلام.
قال أبو هريرة: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلِّهِ﴾ بخروج عيسى، وحينئذ لا يبقى كافر إلا أسلم.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قال: «قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ» لَيَنْزلنَّ ابنُ مريمَ حكماً عادلاً، فليَكسرنَّ الصَّليبَ وليقتلنَّ الخِنْزيرَ، وليضَعَنَّ الجِزيَةَ، ولتتركن القلاص فلا يسعى إليها، ولتذهبنَّ الشَّحْناءُ والتَّباغُضُ والتَّحاسُد، وليَدعُونَّ إلى المالِ فلا يقبلهُ أحدٌ «.
وقيل: ليُظْهرهُ، أي: ليطلع محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ على سائر الأديان حتى يكون عالماً بها عارفاً بوجوه بطلانها، وبما حرفوا وغيَّروا منها»
على الدِّينِ «أي: على الأديان؛ لأن الدين مصدر يعبر به عن الجميع.


الصفحة التالية
Icon