وأيضاً لما كان ما ينزل عليهم لا مِرْيَة في حلّة وخُلُوصه لنزوله من عند الله، والحبوب والأرض يتخلّلها البيوع والغُضُوب وتدخلها الشُّبه، كانت أدنى من هذا الوجه.
وأفرد في قوله: ﴿الذي هُوَ أدنى﴾ وإن كان ما طلبوه أنواعاً حملاً على قوله: «ما» في قوله: ﴿مِمَّا تُنْبِتُ الأرض﴾، أو على الطعام المفهوم من قوله: ﴿لَن نَّصْبِرَ على طَعَامٍ وَاحِدٍ﴾.
قوله: ﴿اهبطوا مِصْراً﴾ القراءة المعروفة «أهْبِطُوا» بكسر الياء، وقرىء بضمها. و «مصراً» قرأ الجمهور منوناً، وهو خطّ المصحف.
فقيل: إنهم أمروا بهبوط مِصْرٍ من الأمطار فلذلك صرف.
وقيل: أمروا بِمْصرٍ بعينه، وإنما صرف لخفّته، لسكون وسطه ك «هِنْد ودَعْد» ؛ وأنشد: [المنسرح]
٥٣٨ - لَمْ تَتَلفَّعْ بِفَضْلِ مِئْزَرِهَا | دَعْدٌ وَلَمْ تُسْقَ دَعدُ في العُلَبِ |
أو صرفه ذهاباً به إلى المكان.
وقرأ الحسن: «مِصْرَ» بغير تنوين، وقال: الألف زائدة من الكاتب، وكذلك في بعض مصاحف عُثْمان، ومصحف أُبيّ، وابن مَسْعُودن كأنهم عَنَوْا مكاناً بعينه، وهو بلد فرعون وهو مروي عن أبي العالية
وقال الزمخشري: «‘نه معرّب من لسان العَجَمِ، فإن أصله مِصْرائيمن فعرب»، وعلى هذا إذا قيل بأنه علم لمكان بعينه، فلا ينبغي أن يصرف ألبتة لانضمام العُجْمة إليه، فهو نظير «ماه وَجور وحِمْص»، ولذلك أجمع الجمهور على منعه في قوله: ﴿ادخلوا مِصْرَ﴾ [يوسف: ٩٩]. والمِصْر في أصل اللغة: الحَدّ الفاصل بين الشيئين، وحكي عن أهل «هَجَر» أنهم إذا كتبوا بيع دار قالوا: «اشترى فلانٌ الدَّارَ بِمُصُورِهَا» أي: حُدُودها؛ وأنشد: [البسيط]