فصل في عدم تأخير البيان عن الحاجة
قال ابن الخطيب: القائلون بأنه لا يجوز تأخير بيان المجمل عن وقت الخطاب، قالوا: إنما جاء في قوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُواْ الصلاة﴾ بعد أن كان النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام وصف لهم أركان الصَّلاة وشرائطها، فكأنه تعالى قال: وأقيموا الصلاة التي عرفتموها، والقائلون بجواز التأخير قالوا: يجوز أن يراد الأمر بالصَّلاة، وإن كانوا لا يعرفون أن الصَّلاة ما هي؟ ويكون المقصود أن يوطن السَّامع نفسه على الامتثال، وإن كان لا يعلم أن المأمور به، ما هو؟ كما يقول السيد لعبده: إني آمرك غداً بشيء فلا بد وأن تفعله، ويكون غرضه مه بأن يعزم العَبْدُ في الحال على أدائه في الوقت الثاني.
فصل في أن الكفار مخاطبون بفروع الشرع
قوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُواْ الصلاة وَآتُواْ الزكاة﴾ خطاب مع اليهود، وذلك يدل على أن الكفار مخاطبون بفروع الإسلام. فإن قيل: قوله: ﴿وَأَقِيمُواْ الصلاة﴾ أمر بالصَّلاة، وقوله: ﴿واركعوا مَعَ الراكعين﴾ أمر بالصّلاة أيضاً، فيكون تكراراً.
فالجواب: أن قوله: ﴿واركعوا مَعَ الراكعين﴾ أي: صَلُّوا مع المصلِّين، ففي الأوّل أمر بإقامة الصَّلاة، وفي الثاني أمر بفعلها في الجماعة فلا تكْرار
وقيل: إن اليهود لا ركوع في صلواتهم، فخصّ الركوع بالذكر تحريضاً لهم على الإتيان بصلاة المسلمين.
وقيل: الركوع: الخضوع، فيكون نهياً عن الاستكبار المذموم.
الهمزة في «أتأمرون» للإنكار والتَّوبيخ، أو للتعجُّب من حالهم.