ومن لا يكون مكلفاً لا يجوز أن يذمّه الله تعالى على ما صدر منه، فالمراد بقوله: ﴿وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ﴾ أنكم تغلفون عن حق أنفسكم، وتعدلون عما لها فيه من النَّفْعِ.
قوله: ﴿وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الكتاب﴾ مبتدأ وخبر في محلّ نصب على حال، العامل فها» تنسون «.
و» التّلاوة «: التتابع، ومنه تولاة القرآنح لأن القارىء يتبع كلماته بَعْضَها ببعض، ومنه: ﴿والقمر إِذَا تَلاَهَا﴾ [الشمس: ٢] واصل» تتلوون «بواوين فاستثقلت الضمة على الواو الأولى فحذفتن فالتقى ساكنان، فحذفت الأولى فوزنه» تفعون «.
ويقال: تلوته إذا تبعته تلواً، وتلوت القرآن تِلاَوَةَ. وتلوت الرجل تلواً إذا خذلته. والتَّلِيَّة والتُّلاوة: البقية، يقال: تليت لي من حقّي تلاوةً وتليةً أي بقيت.
وأتليت: أبقيت.
وتتليت حقّي إذا تتبعته حتى تستوفيه.
قال «أبو زيد» :«تلي الرجل إذا كان بآخر رمق».
قوله: ﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ الهمزة للإنكار أيضاً، وهي في نية التأخير عن الفاء؛ لأنها حرف عطف، وكذا تتقدّم أيضاً على «الواو» و «ثم» نحو: ﴿أَوَلاَ يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٧٧] ﴿أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ﴾ [يونس: ٥١] والنِّيَة بها التأخير، ما عدا ذلك من حروف العطف فلا تتقدّم عليه، تقول: «ما قام زيد بل أقعد؟» هذا مذهب الجُمْهور.
وزعم «الزمَّخشري» أن الهمزة في موضعها غير مَنْوِيّ بها التأخير، ويقدر قبل «الفاء» و «الواو» و «ثم» فعلاً محذوفاً، فاعطف عليه ما بعده فيقدر هنا: أتغفلون فلا تعقلون، وكذا ﴿أَفَلَمْ يَرَوْاْ﴾ [سبأ: ٩] أي: أعموا فَلَم يروا؟
وقد خالف هذا الأصل ووافق الجمهور في مواضع يأتي التنبيه عليها إن شاء الله تعالى.
ومفعول «تعقلون» غير مراد؛ لأن لامعنى: أفلا يكون منكم عَقْل، وقيل تقديره: أفلا تعقلون قُبْحَ ما ارتكبتم من ذلك.
والعَقْل: الإدراك المانع من الخطأ، وأصله المَنْعن منه العِقَال، لأنه يمنع البعير عن الحَرَكَةِ، وَعَقْل الدِّيَةِ، لأنه يمنع من قَتْلِ الجَانِي، والعَقْل أيضاً ثُوْب موشَّى؛ قال عقلمة: [البسيط]
٤٥٣ - عَقْلاً وَرَقْماً يَظَلُّ الطَّيْرُ يَتْبَعُهُ | كَأَنَّهُ مِنْ دَمِ الأجْوافِ مَدْمُومُ |