والحالة الرابعة: أن تنسف؛ لأنها مع الأحوال المتقدمة تارة في مواضعها في الأرض، فترسل الرياح، فتنسفها عن وجه الأرض، فتطيِّرها في الهواء كأنها مارة، فمن نظر إليها يحسبها لتكاثفها أجساداً جامدة، وهي في الحقيقة مارة، إلا أن مرورها بسبب مرور الرياح بها مندكة منتسفة.
والحالة الخامسة: أن تصير سراباً، أي: لأي شيء كما رؤي السراب من بعد.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً﴾ «مِفْعَالاً» من الرصد، والرصد: كل شيء كان أمامك.
قرأ ابن يعمر وابن عمر والمنقري: «أنَّ جَهنَّمَ» بفتح «أن».
قال الزمخشريُّ: على تعليل قيام الساعة، بأن جهنم كانت مرصاداً للطَّاغين، كأنَّه قيل: كان ذلك لإقامة الجزاء، يعني: أنه علَّة لقوله تعالى: ﴿يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصور﴾ إلى آخره.
قال القفال: في المرصاد قولان:
أحدهما: أنَّ المرصاد اسم للمكان الذي يرصد فيه، كالمضمارِ اسم للمكان الذي يضمر فيه الخيل، والمِنْهَاج: اسم للمكان الذي ينهج فيه، أي: جهنم معدَّة لهم فالمرصاد بمعنى المحل، وعلى هذا فيه احتمالان:
الأول: أنَّ خزنة جهنم يرصدون الكفَّار.
والثاني: أن مجاز المؤمنين، وممرهم على جهنم، لقوله تعالى: ﴿وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا﴾ [مريم: ٧١]، فخزنة الجنة يَسْتقبلُونَ المؤمنين عند جهنم، ويرصدونهم عندها.
القول الثاني: أنَّ «المِرصَاد» «مِفْعَال» من الرصد، وهو «الترقب» بمعنى أنَّ ذلك يكثر منه، و «المِفْعَالُ» من أبنية المبالغة ك «المِعطَاء، والمِعْمَار، والمِطْعَان».
قيل: إنَّها ترصد أعداءَ اللهِ، وتشتد عليهم لقوله تعالى: تكاد تميَّزُ من الغيظ.