قال الضحاك: كل كأس في القرآن فهو خمر، والتقدير: وخمر ذات دهاق، أي عصرت وصفيت بالدهاق، قاله القشيري.
وفي «الصحاح» وأدْهَقْتُ الماءَ، أي: أفرغتُه إفراغاً شديداً، قال أبو عمرو: والدَّهْقُ - بالتحريك - ضرب من العذاب، وهو بالفارسية: «أشكَنْجَه».
قال المبرد: والمَدهوقُ: المُعذَّبُ بجميع العذاب الذي لا فرجة فيه.
وقال ابن الأعرابي: دهقت الشيء: أي: كسرته وقطعته، وكذلك: «دَهْدَقْتُهُ» و «دَهْمَقْتُهُ» بزيادة الميم المثلثة.
وقال الأصمعي: «الدَّهْمَقَة» : لين الطعام وطيبه ورقته، وكذلك كل شيء لين، ومنه حديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: لو شئت أن يدهمق لي لفعلت، ولكن الله عاب قوماً فقال تعالى: ﴿أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدنيا واستمتعتم بِهَا﴾ [الأحقاف: ٢٠].
قوله تعالى: ﴿لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً﴾ أي: في الجنة، وقيل: في الكأس. ﴿لَغْواً وَلاَ كِذَّاباً﴾.
اللَّغو: الباطلُ، وهو ما يلغى من الكلام ويطرح، ومنه الحديث: «إذا قُلتَ لِصاحبِكَ: أنْصِتْ، فَقَدْ لغَوْتَ» وذلك أنَّ أهل الجنة إذا شربوا لم تتغير عقولهم، ولم يتكلموا بلغو بخلاف الدنيا، و «لا كِذَّاباً» أي: لا يتكاذبُون في الجنَّةِ.
وقيل: هما مصدران للتكذيب، وإنَّما خففها؛ لأنَّها ليست مقيَّدة بفعل يصير مصدراً له، وشدَّد قوله: ﴿وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾ ؛ لأنَّ «كذَّبُوا» يفيد المصدر بالكذاب.
قال شهابُ الدين: «وإنَّما وافقَ الكسائيُّ الجماعة في الأول للتصريح بفعله المشدد المقتضي لعدم التخفيف في» كذَّبوا «، وهذا كما تقدم في قوله: ﴿فَتُفَجِّرَ الأنهار﴾ [الإسراء: ٩١]، حيثُ لم يختلف فيه للتصريح معه بفعله بخلاف الأول».
وفقال مكيٌّ: مَنْ شدد جعله مصدر «كَذَّب»، زيدت فيه الألف، كما زيدت في «إكْرَاماً» وقولهم: تَكْذِيباً، جعلوا التاء عوضاً من تشديد العين، والياء بدلاً منَ الألف غيَّروا أوَّله كما غيَّروا آخره، وأصل مصدر الرباعي أن يأتي على عدد حروف الماضي بزيادة ألف مع تغيير الحركات، وقالوا: «تَكَلُّماً»، فأتي المصدر على عدد حروف الماضي بغير زيادة ألف، وذلك لكثرة حروفه، وضمت «اللام» ولم تكسر؛ لأنَّه ليس في الكلام اسم على «تفعَّل» ولم تفتح لئلا تشتبه بالماضي، وقراءة الكسائي: «كِذَّاباً» - بالتخفيف - جعله مصدر كذب كذاباً.