قال القفال: وهذا كأنَّه هو الأظهرُ؛ لأنَّه - تعالى - قال: ﴿فَأَرَاهُ الآية الكبرى فَكَذَّبَ وعصى ثُمَّ أَدْبَرَ يسعى فَحَشَرَ فنادى فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى﴾ فذكر القصتين، ثم قال: ﴿فَأَخَذَهُ الله نَكَالَ الآخرة والأولى﴾.
فظهر أنَّ المراد: أنَّه عاقبه على هذين الأمرين.
ثمَّ إنَّه - تعالى - ختم هذه القصة بقوله:
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يخشى﴾، إنَّ فيما قصصنا عليك اعتباراً وعظةً لمن يخاف.
قوله: ﴿أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً﴾، يريد: أهل «مكّة»، أي: أخلقكم بعد الموت أشدُّ في تقديركم أم السماءُ؟.
فمن قدر على خلقِ السَّماء على عظمها، وعظم أحوالها، قدر على الإعادة، وهذا كقوله: ﴿لَخَلْقُ السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس﴾ [غافر: ٥٧].
والمقصود من الآية الاستدلال على منكري البعث، ونظيره قوله تعالى: ﴿أَوَلَيْسَ الذي خَلَقَ السماوات والأرض بِقَادِرٍ على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم﴾ [يس: ٨١].
ومعنى الكلام: التقريع والتوبيخ.
ثم وصف تعالى السماء، فقال: «أم السَّماءَ بَناهَا» عطف على «أنتم»، وقوله «» بَنَاهَا «بيان لكيفية خلقه إياها، فالوقف على» السَّماءِ «، والابتداء بما بعدها، ونظيره قوله - تعالى - في» الزخرف «: ﴿أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ﴾ [الزخرف: ٥٨].
وقوله:» رَفَعَ سَمْكهَا «جملة مفسرة لكيفية البناء،» والسَّمْك «:» الارتفاع «.
قال الزمخشريُّ:» جعل مقدار ذهابها في سمتِ العلوِّ مديداً رفيعاً «.
وسكمتُ الشيء: رفعته في الهواء، وسمك هو، أي: ارتفع سُمُوكاً، فهو قاصرٌ ومتعدٍّ، وبناء مسموك، وسنامٌ سَامِكٌ تَامِكٌ، أي: عالٍ مرتفعٌ، وسماك البيت ما سمكته به، والمسموكاتُ: السماوات ويقال: اسمك في الدّيم، أي: اصعد في الدرجة، والسماك: نجم معروف، وهما اثنان، رامح وأعزل؛ قال الشاعر: [الكامل]
٥٠٩٩ - إنَّ الذي سَمكَ السَّماءَ بَنَى لَنَا | بَيْتاً دَعَائِمُهُ اعَزُّ وأطْوَلُ |