جَهْلٍ بْنُ هشام، والعبَّاسُ بنُ عبدِ المُطلبِ، وأميَّةُ بن خلفٍ، والوليدُ بنُ المُغيرةِ، يدعوهم إلى الإسلام رجاءَ أن يسلم بإسلامهم غيرُهم، فقال للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: عَلِّمني مما علمك الله، وكرَّر ذلك عليه، فكره قطعه لكلامه، وعبس وأعرض عنه، فنزلت هذه الآية.
قال ابن العربي: أمَّا قول المفسرين: إنه الوليد بن المغيرة، أو أمية بن خلف والعباس، فهذا كله باطلٌ وجهلٌ؛ لأن أمية والوليد كانا ب «مكة» وابن أم مكتوم كان ب «المدينة» ما حضر معهما، ولا حضرا معه، وماتا كافرين، أحدهما: قبل الهجرة، والآخر في «بدر»، ولم يقصد أمية «المدينة» قط، ولا حضر معه مفرداً، ولا مع أحدٍ، وإنَّما أقبل ابن أم مكتوم والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مشتغل بمن حضره من وجوه قريش يدعوهم إلى الإسلام، وقد طمع في إِسلامهم، وكان في إسلامهم إسلام من وراءهم من قومهم فجاء ابن أم مكتوم وهو أعمى، فقال: يا رسول الله علمني مما علمك الله وجعل يناديه ويكثر النداء، ولا يدري أنه مشتغل بغيره، حتى ظهرت الكراهة في وجه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لقطعه كلامه، وقال في نفسه: يقول هؤلاء إنَّما اتْباعُه العُمْيَان والسَّفلة والعبيد، فعبس وأعرضَ عنه، فنزلت الآية.
قال الثوري: «فكان النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بعد ذلك إذا رأى ابن أم مكتوم بسط له رداءهُ، ويقول:» مَرْحَباً بمَنْ عَاتَبنِي فِيهِ ربِّي «، ويقول:» هَلْ مِنْ حَاجَةٍ «؟ واستخلفهُ على» المدينة «مرتين في غزوتين غزاهما».
قال أنسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: فرأيته يوم «القادسيَّة» راكباً وعليه دِرْع، ومعه رايةٌ سوداءُ.
فصل في معاتبة الله تعالى رسوله
قال ابن الخطيب: ما فعله ابن أم مكتوم كان يستحق التأديب والزَّجْر، فكيف عاتب الله - تعالى - رسوله على تأديبه ابن أم مكتوم؟.
وإنما قلنا: إنه كان يستحق التأديب؛ لأنه وإن كان أعمى لا يرى القوم، لكنه سمع