وقال ابن عطية: في جواب التمني؛ لأنَّ قوله تعالى: ﴿أَوْ يَذَّكَّرُ﴾ في حكم قوله: ﴿لَعَلَّهُ يزكى﴾.
قال أبو حيان: «وهذا ليس تمنياً إنما هو ترجٍّ».
قال شهاب الدين: إنما يريد التًّمني المفهوم من الكلام، ويدلُّ له ما قاله أبو البقاء: «وبالنصب على جواب التمني في المعنى»، وإلاَّ فالفرق بين التمنِّي والترجِّي لا يجهله ابن عطية.
وقال مكي: «من نصبه جعله جواب» لَعلَّ «بالفاء؛ لأنَّه غير موجب، فأشبه التَّمني والاستفهام، وهو غير معروف عند البصريين» وقرأ عاصمٌ في رواية الأعرج: «أو يذْكُر» - بسكون الذال، وتخفيف الكاف مضمومة - مضارع «ذكر»، والمعنى: أو يتَّعظ بما يقوله: «فتنفعه الذكرى» أي: العِظَةُ.
قوله: ﴿أَمَّا مَنِ استغنى﴾ قال عطاء: يريد عن الإيمان، وقال الكلبي: استغنى عن الله، وقال بعضهم: استغنى أثرى؛ وهو فاسد ههنا؛ لأن إقبال النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - لم يكن لثروتهم ومالهم حتى يقال له أما من أثرى، فأنت تقبل عليه، ولأنه قال: ﴿وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يسعى وَهُوَ يخشى﴾ ولم يقل وهو فقير معدم، ومن قال: أما من استغنى بماله فهو صحيح، لأن المعنى أنه استغنى عن الإيمان والقرآن بما لَهُ من المال.
وقوله تعالى: ﴿فَأَنتَ لَهُ تصدى﴾ تقدمت فيه قراءتا التثقيل والتخفيف.
قال الزجاج: أي: أنت تقبل عليه وتتعرض له وتميل إليه، يقال تصدى فلان لفلان، يتصدّد إذا تعرض له، والأصل فيه تصدد يتصدّد من الصدد، وهو ما استقبلك وصار قبالتك فأبدل أحد الأمثال حرف علة مثل: تظنيت وقصيت، وتقضى البازي قال الشاعر:

٥١٠٧ - ب - تَصدَّى لِوضَّاح كأنَّ جَبينَه سِرَاجُ الدُّجَى يُجْبَى إليه الأساور
وقيل: هو من الصدى، وهو الصوت المسموع في الأماكن الخالية والأجرام الصلبة.
وقيل: من الصدى وهو العطش، والمعنى على التعرض، ويتمحّل لذلك إذا قلنا أصله من الصوت أو العطش.
وقرأ أبو جعفر «تُصْدي» بضم التاء وتخفيف الصاد. أي يصديك حرصك على إسلامه.


الصفحة التالية
Icon