ثم قال: والتشديد أحسن الوجهين؛ لأنك تقول: عدلتك إلى كذا، أي: صرفتك إلى كذا وكذا، ولا يحسن: عدلتك فيه، ولا صرفتك فيه.
وفي القراءة الأولى: جعل «في» من قوله: «فِي أيِّ صُورةٍ» للتركيب، وهو حسنٌ.
وفي قراءة الثانية جعل «في» صلة لقوله: «فعدلك»، وهو ضعيف.
ونقل القفَّال عن بعضهم: أنَّهما لغتان بمعنى واحد.
قوله: «في أيِّ صُورةٍ»، يجوز فيه أوجه:
أحدها: أن يتعلق ب «ركبك»، و «ما» : مزيدة على هذا، و «شاء» صفة ل «صورة»، ولم يعطف «ركَّبَك» على ما قبله بالفاء، كما عطف ما قبله بها، لأنه بيان لقوله: «فَعَدَلَكَ»، والتقدير: فعدلك ركبك في أيِّ صورةٍ من الصور العجيبة الحسنة التي شاءها - سبحانه وتعالى - والمعنى: وضعك في صورة اقتضتها مشيئته من حسن وقبح وطول، وقصر، وذكورة، وأنوثة.
الثاني: أن يتعلق بمحذوف على أنه حال، أي: ركبك حاصلاً في بعض الصور.
الثالث: أنه يتعلق بعد ذلك ب «عَدلَكَ» نقله أبو حيان عن بعض المتأولين، ولم يعترض عليه، وهو معترض بأن في «أيِّ» معنى الاستفهام، فلها صدر الكلام، فكيف يعمل فيها ما تقدمها؟.
وكأن الزمخشري استشعر هذا فقال: ويكون في «أيِّ» معنى التعجب، أي: فعَدلَكَ في أي صورة عجيبة، وهذا لا يحسن أن يكون مجوِّزاً لتقدُّم العامل على اسم الاستفهام، وإن دخله معنى التعجب، ألا ترى أن «كيف، وأي»، وإن دخلهما معنى التعجب، لا يتقدم عاملهما عليهما.
وقد اختلف النحويون في اسم الاستفهام إذا قصد به الاستئناف، هل يجوز تقديم عامله أم لا؟.
والصحيح أنَّه لا يجوز، ولذلك لا يجوز أن يتقدَّم عامل «كم» الخبرية عليها لشبهها في اللفظ بالاستفهامية، فهذا أولى، وعلى تعلقها ب «عدلك»، تكون «ما» منصوبة على المصدر.
قال أبو البقاء: يجوز أن تكون «ما» زائدة، وأن تكون شرطية، وعلى الأمرين الجملة نعت ل «صورة»، والعائد محذوف، أي: ركبك عليها، و «في» : تتعلق ب «ركَّبك».


الصفحة التالية
Icon