«كَلاَّ» حرف ردع، أي: ليس الأمر على ما هم عليه فَليَرتَدِعُوا، وها هنا تم الكلام.
وقال الحسنُ: «كَلاَّ» : ابتداء يتصل بما بعده على معنى «حقًّا» إنَّ كتابَ الفجَّار الذي كتب فيه أعمالهم لفي سجين.
اختلفوا في نون «سِجِّين».
فقيل: هي أصليَّة، واشتقاقه من السَّجن، وهو الحبسُ، وهو بناء مبالغة «فعيلاً» من السجن، ك «سِكِّير» و «فسِّيق» من السكر والفسق وهو قول أبي عبيدة والمبرد والزجاج.
قال الواحدي: وهذا ضعيف؛ لأن العرب ما كانت تعرف سجيناً.
وقيل: «النون» بدل من «اللام»، والأصل: «سجيل» مشتقاً من السِّجل، وهو الكتاب.
واختلفوا فيه أيضاً: هل هو اسم موضع، أو اسم كتاب مخصوص؟.
وقيل: هو صفة، أو علمٌ منقول من وصفٍ ك «خاتم»، وهو مصروف إذ ليس فيه إلا سبب واحدٌ، وهو العلمية.
وإذا كان اسم مكان، فقوله تعالى: ﴿كِتَابٌ مَّرْقُومٌ﴾ إمَّا بدل منه، أو خبر لمبتدأ محذوف، وهو ضمير يعود عليه.
وعلى التقديرين فهو مشكل؛ لأن الكتاب ليس هو المكان.
فقيل: التقدير، هو محل كتاب، ثم حذف المضاف.
وقيل: التقدير: وما أدراك ما كتاب سجين، والحذف إما من الأول وإمّا من الثاني.
وأما إذا قلنا: إنه اسم لكتاب فلا إشكال.
وقال ابن عطية: من قال: إن سجيناً موضع، فكتاب مرفوع على أنه خبر «إنَّ»، والظرف الذي هو «لفي سجين» ملغى، ومن جعله عبارة عن الخسار، ف «كتاب» خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: هو كتاب، ويكون هذا الكلام مفسراً لسجين ما هو انتهى.
وهذا لا يصح - ألبتة - إذ دخول اللام يعيّن كونه خبراً، فلا يكون ملغياً لا يقال: «اللام» تدخل على معمول الخبر، فهذا منه، فيكون ملغىً؛ لأنَّه لو فرض الخبر، وهو «كتاب» عاملاً أو صفته عاملة، وهو «مَرقُوم» لامتنع ذلك، أمّا منع عمل «كتاب»، فلأنه موصوف، والمصدر الموصوف لا يعمل، وأمَّا امتناع عمل «مرقوم» ؛ فلأنه صفة، ومعمول الصفة لا يتقدم على موصوفها، وأيضاً: فاللام إنما تدخل على معمول الخبر بشرطه، وهذا ليس معمولاً للخبر، فتعيَّن أن يكون الجار هو الخبر، وليس بملغى.