قوله: ﴿يَوْمَ تبلى السرآئر﴾. فيه أوجه، وقد رتبها أبو البقاءِ على الخلاف في الضمير، فقال: على القول بكون الضمير للإنسان، فيه أوجه:
أحدها: أنه معمول ل «قادر».
إلاَّ أنَّ ابن عطية قال - بعد أن حكى أوجهاً عن النحاة -: «وكل هذه الفرق فرَّت من أن يكون العامل» لقادر «، لئلاَّ يظهر من ذلك تخصيص القدرة في ذلك اليوم وحدهُ».
ثم قال: «وإذا تؤمل المعنى وما يقتضيه فصيح كلام العرب جاز أن يكون العامل» لقادر «، وذلك أنه قال:» إنَّه على رجعهِ لقادرٌ «؛ لأنه إذا قدر على ذلك في هذا الوقت كان في غيره أقدر بطريق الأولى.
الثاني: أن يكون العامل مضمر على التبيين، أي: يرجعه يوم تبلى.
الثالث: تقديره: اذكر، فيكون مفعولاً به، وعلى عوده على الماء يكون العامل فيه: اذكر»
انتهى ملخصاً.
وجوَّز بعضهم أن يكون العامل فيه «نَاصِرٍ»، وهو فاسد؛ لأن ما بعد «ما» النافية وما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلهما.
وقيل: العامل «رَجْعِهِ» وهو فاسدٌ؛ لأنه قد فصل بين المصدر ومعموله بأجنبي، وهو خبر «إنَّ». وبعضهم يقتصره في الظرف.
قوله: «تُبلَى» تختبر وتعرف؛ قال الراجز: [الرجز]

٥١٦٩ - قَدْ كُنْتَ قَبْلَ اليَوْم تَزْدَرينِي فاليَومَ أبْلُوكَ وتَبْتَلِينِي
أي: أعرفك وتعرفني.
وقيل: ﴿تبلى السرآئر﴾ تخرج من مخبآتها وتظهر، وهو كل ما استسرّه الإنسان من خير، أو شر، وأضمره من إيمان، أو كفر.
قال ابن الخطيب: والسرائرُ: ما أسر في القلوب، والمراد هنا: عرض الأعمال، ونشر الصحف، أو المعنى: اختبارها، وتمييز الحسن منها من القبيح لترتيب الثواب والعقاب.
وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «ائْتَمَنَ اللهُ - تعَالَى - خَلقهُ على أرْبَع: الصَّلاةِ، والزَّكاةِ والصِّيام، والغُسْلِ، وهُنَّ السَّرائِرُ الَّتي يَختبِرُهَا اللهُ - عزَّ وجلَّ - يَوْمَ القِيَامَةِ» ذكره المهدوي.
وروى الماورديُّ عن زيدٍ بن أسلم، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «الأمَانَةُ ثلاثٌ:


الصفحة التالية
Icon