فصل في كيفية تعليم القرآن
ذكر في كيفية هذا التعليم والإقراء وجوهاً:
الأول: أن جبريل - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - سيقرأ عليك القرآن مراتٍ، حتى تحفظه حفظاً لا تنساه.
وثانيها: أنَّا نشرحُ صدرك ونقوي خاطرك حتى تحفظه بالمرة الواحدة حفظاً لا تنساه.
وثالثها: أنه تعالى لما أمره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في أول السورة بالتسبيح، فكأنه تعالى قال: واظب على ذلك، ودُمْ عليه، فإنَّا سنقرئك القرآن الجامع لعلوم الأوَّلين، والآخرين، ويكون فيه ذكرك، وذكر قومك، وتجمعه في قلبك.
﴿وَنُيَسِّرُكَ لليسرى﴾ وهوالعمل به.
فصل في الدلالة على المعجزة
هذه الآية تدل على المعجزة من وجهين:
الأول: أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كان رَجُلاً أميًّا، فحفظه هذا الكتاب المطول من غير دراسة، ولا تكرار، ولا كتابة، خارقة للعادة.
والثاني: أنه إخبار عن الوقوع في المستقبل، وقد وقع، فكان هذا إخباراً عن الغيب فيكون معجزاً.
فصل في المراد بالآية
قال بعضهم: المراد بقوله تعالى: ﴿إِلاَّ مَا شَآءَ الله﴾ أمور:
أولها: التبرك بهذه الكلمة لقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذلك غَداً إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله﴾ [الكهف: ٢٣، ٢٤]، فكأنه تعالى يقول: إني عالم بجميع المعلومات، ثم بعواقب الأمور على التفصيل، ومع ذلك لا أخبر عن وقوع شيء في المستقبل إلا مع هذه الكلمة، فأنت وأمتك يا محمد أولى بها، وهذا بناء على أن الاستثناء غير حاصل في الحقيقة، وأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لم ينس ذلك شيئاً، كما قاله ابن عبَّاس والكلبي وغيرهما.
وثانيها: قال الفراء: إنه تعالى ما شاء أن ينسى محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ شيئاً إلا أنَّ المقصود من ذكر هذا الاستثناء بيان أنه تعالى لو أراد أن يصير ناسياً كذلك لقدر عليه، كقوله تعالى:
﴿وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بالذي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ [الإسراء: ٨٦]، ثم إنا نقطع أنه تعالى ما شاء ذلك، ونظيره قوله تعالى: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر: ٦] مع أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ما أشرك ألبتَّة ففائدة هذا الاستثناء أن الله تعالى، بعرفه قدرته، حتى يعلم أنَّ عدم النِّسيان من فضل الله، وإحسانه، لا من قوته.