وعن بعض الحكماء: أنه حدث عن البعير، وبديع خلقه، وقد نشأ في بلاد لا إبل فيها، ففكر، ثم قال: يوشك أن تكون طوال الأعناق.
قال ابنُ الخطيب: الإبل لها خواص، منها أنه - تعالى - جعل الحيوان الذي يقتني أنواعاً، فتارة يقتنى ليؤكل لحمه، وتارة ليشرب لبنه، وتارة ليحمل الناس في الأسفار، وتارة لنقل المتاع من بلد إلى بلد، وتارة للزِّينة والجمال، وهذه المنافع بأسرها حاصلة في الإبل، ثم إنها فاقت في كل خصلة من هذه الخصال غيرها من الحيوان المختص ببعضها، مع صبرها على العطش، وقطع المفاوز بالأحمال الثقيلة، وقناعتها في العلف بنبات البر، ولقد ضللنا الطريق في مفازة، فقدموا جملاً واتبعوه، فهداهم للطريق بعد زمان طويل، مع كثرة المعاطف والتلول، فانظر كيف ثبت واهتدى على ما عجزت عنه ذوو العقول.
ومنها: أنه في غاية القوة والصبر على العمل.
ومنها: أنها مع كونها كذلك منقادة للصَّب الصغير.
ومنها: أنها تحمل وهي باركة، ثم تقوم بحملها، وهذه الصفات توجب على العاقل أن ينظر في خلقها وتركيبها، ويستدل بذلك على وجود الصانع الحكيم جلت قدرته.
فصل
قال قتادةُ ومقاتلٌ وغيرهما: لما ذكر الله - تعالى - السرر المرفوعة، قالوا: كيف نصعدها؟ فأنزل الله هذه الآية، وبيَّن أنَّ الإبل «تبرك» حتى يحمل عليها، ثم تقوم، فكذلك تلك السرر تتطامَنُ، ثم يرتفع.
وقال المبرد: الإبل هنا: القطعُ العظيمة من السَّحاب.
وقال الثعلبي: ولم أجد لذلك أصلاً في كتب الأئمة.
قال القرطبي: قد ذكره الأصمعي أبو سعيد بن عبد الملك بن قريب، قال أبو عمرو: من قرأها: ﴿أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإبل كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ بالتخفيف، عنى بها: البعير؛ لأنها من ذوات الأربع، يبرك، فتحمل عليه الحمولة، وغيره من ذوات الأربع، لا يحمل عليه إلا وهو قائم، ومن قرأها بالتثقيل فقال: «الإبل» عنى بها السحاب التي تحمل الماء والمطر.
وقال الماورديُّ: وفي الإبل وجهان:
أظهرهما: أنها «الإبل».