قال ابن الخطيب: يحتمل أن يرجع الضَّمير إلى فرعون خاصة؛ لأنه يليه، ويحتمل أن يرجع إلى جميع من تقدم ذكرهم، وهو الأقرب. وأحسن الوجوه في إعرابه: أن يكون في محل نصب على الذم، ويجوز أن يكون مرفوعاً على: «هم الذين طغوا» مجروراً على وصف المذكورين عاد وثمود وفرعون. يعني: عاداً، وفرعون، وثموداً طغوا، أي: تمردوا وعتوا، وتجاوزا القدر في الظلم والعدوان، ثم فسر تعالى طغيانهم بقوله: ﴿فَأَكْثَرُواْ فِيهَا الفساد﴾.
قال الكلبيُّ: القتل، والمعصية لله تعالى.
قال القفال: والجملة أن الفساد ضد الصلاح، فكما أن الصلاح يتناول جميع أقسام البر، فالفساد يتناول جميع أقسام الإثم، فمن عمل بغير أمر الله، وحكم في عباده بالظلم فهو مفسد.
قوله: ﴿فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ﴾. أي: أفرغ عليهم، وألقى، يقال: صبَّ على فلان خلعة، أي: ألقاها عليه؛ قال النابغة: [الطويل]

٥١٩٨ - فَصبَّ عَليْهِ اللَّهُ أحْسنَ صُنْعهِ وكَانَ لَهُ بَيْنَ البَريَّةِ نَاصِراً
وقوله تعالى: ﴿سَوْطَ عَذَابٍ﴾ أي: نصيب عذاب؛ وقيل: شدته؛ لأن السوط عندهم ما يعذب به.
قال الشاعر: [الطويل]
٥١٩٩ - ألَمْ تَرَ أنَّ اللَّهَ أظهرَ دينهُ وصَبَّ على الكُفَّارِ سوْطَ عذابِ
والسوط: هو الآلة المعروفة.
قيل: سمي سوطاً؛ لأن يساط به اللحم عند الضرب أي: يختلط؛ قال كعب بن زهير: [البسيط]
٥٢٠٠ - لَكنَّهَا خُلَّةٌ قَدْ سِيطَ منْ دَمِهَا فَجْعٌ ووَلْعٌ وإخلافٌ وتَبْديلُ
وقال آخر: [الطويل]
٥٢٠١ - أحَارِثُ إنَّا لو تُسَاطُ دِماؤُنَا تَزايلنَ حتَّى لا يَمَسُّ دَمٌ دَمَا
[وقيل: هو في الأصل مصدر: ساطه يسوطه سوطاً، ثم سميت به الآلة].


الصفحة التالية
Icon