وأجاب ابنُ الخطيب عن هذا السؤال: بأنه في قوله: «أكرمني» صادق، وفي قوله: «أهانني» غير صادق فهو ظهن أنَّ قلة الدنيا، وتعسرها إهانة، وهذا جهل، واعتقاد فاسد، فكيف يحكي الله - تعالى - ذلك عنه؟.
قيل: لما قال: «فَأكْرَمهُ»، فقد صحَّ أنه أكرمه، ثم إنه حكى عنه أنه قال: «أكرمن» ذمه عليه فكيف الجمع بينهما؟.
فالجواب: أن كلمة الإنكار: «كلاَّ»، فلم لا يجوز أن يقال: إنَّها مختصة بقوله تعالى: «ربي أهانن» ؟.
سمنا أن الإنكار عائد إليهما معاً، لكن يمكن أن يكون الذَّم؛ لأنه اعتقد أن ذلك الإكرام بالاستحقاق، أو أنه لما لم يعترف إلا عند سعة الدنيا، مع سبق النعم عليه من الصحة، والعقل دلَّ على أن غرضه من ذلك ليس الشكر، بل محبة الدنيا والتكثير بالأموال والأولاد، أو لأن كلامه يقتضي الإعراض عن الآخرة وإنكار البعث، كما حكى الله تعالى بقوله: ﴿وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هذه أَبَداً﴾ [الكهف: ٣٥] إلى قوله: ﴿أَكَفَرْتَ بالذي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ﴾ [الكهف: ٣٧].
قوله تعالى: ﴿كَلاَّ﴾ : ردعٌ للإنسان عن تلك المقالة.
قال ابنُ عباسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - المعنى: لم أبتله بالغنى، لكرامته عليّ، ولم أبتله بالفقرِ، لهوانه عليّ، بل ذلك لمحضِ القضاء والقدر، والمشيئة والحكم المنزه عن التعليل، وهذا مذهب أهل السنة، وأما على مذهب المعتزلة: فلمصالح خفيَّة، لا يطلع عليها إلا هو - سبحانه - فقد يوسع على الكافر لا لكرامته، ويقتر على المؤمن لا لهوانه.
قال الفراء في هذا الموضع: يعني: لم يكن للعبد أن يكون هكذا، ولكن يحمد الله - تعالى - على الغنى والفقر.
قوله: ﴿بَل لاَّ تُكْرِمُونَ اليتيم﴾. قرأ أبو عمرو: «يكرمون»، وما بعده بياء الغيبة، حملاً على معنى الإنسان المتقدم، إذا المراد به الجنس، والجنس في معنى: الجمع.
والباقون: بالتاء في الجميع، خطاباً للإنسان المراد به الجنس، على طريقة الالتفات.


الصفحة التالية
Icon