وقال أبو صالح وزيد بن أسلم: تردى، أي سقط في جهنم، ومنه «المتردية»، ويقال: ردي من في البئر وتردى: إذا سقط في بئر أو نهر أو من جبل، ويقال: ما أدري أين ردى أي أين ذهب.
ويحتمل أن يكون من تردى، وهو كناية عن الموت؛ كقوله: [الكامل]
٥٢٢٧ - وخُطَّا بأطْرافِ الأسنَّةِ مَضْجعِي
ورُدَّا عَلى عيْنيَّ فضْلَ رِدائِيَا
وقول الآخر: [الطويل]
٥٢٢٨ - نَصِيبُكَ ممّا تَجْمَعُ الدَّهْرَ كُلَّهُ
رِداءانِ تُلْوَى فِيهِمَا وحَنُوطُ
قوله: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا للهدى﴾، أن نبين طريق الهدى، من طريق الضلال، فالهدى بمعنى بيان الأحكام قاله الزجاجُ: أي: على الله بيان حلاله، وحرامه، وطاعته ومعصيته، وهو قول قتادة.
وقال الفراءُ: من سلك الهدى، فعلى الله سبيله، كقوله تعالى: ﴿وعلى الله قَصْدُ السبيل﴾ [النحل: ٩]، وقيل: معناه إنَّ علينا للهدى والإضلال، فترك الإضلال كقوله تعالى: ﴿بِيَدِكَ الخير﴾ [آل عمران: ٢٦]، وقوله تعالى: ﴿تَقِيكُمُ الحر﴾ [النحل: ٨١] وهي تقي الحرَّ وهي تقي البرد، قاله الفراء أيضاً. وهو يروي عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه.
فصل
لما عرفهم سبحانه أن سعيهم شتى، وبين ما للمحسنين من اليسرى، وللمسيئين من العسرى أخبرهم أنه قد مضى ما عليه من البيان، والدلالة، والترغيب، والترهيب، أي: أن الذي يجب علينا في الحكمة إذا خلقنا الخلق للعبادة أن نبين لهم وجوه التعبد، ونبين المتعبد به.
قالت المعتزلة: إباحة الأعذار تقتضي أنه تعالى كلفهم بما في وسعهم وطاقتهم.
وأيضاً فكلمة «على» للوجوب، وأيضاً: فلو لم يستقل العبد بالإيجاد، لم يكن في نصب الأدلة فائدة، وجوابهم قد تقدم.
وزاد الواحديُّ: أن الفراء، قال: إن معنى: إن علينا للهدى والإضلال، فحذف المعطوف كقوله تعالى: ﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحر﴾ [النحل: ٨١]، وهو معنى قول ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما، يريد: أرشد أوليائي للعمل بطاعتي، وأحول بين أعدائي أن
الصفحة التالية