وقوله:» خلع منها دلالتها على الحال «يعني أن لام الابتداء الداخلة على المضارع مخلصة للحال وهنا لا يمكن ذلك؛ لأجل حرف التنفيس، فلذلك خلعت الحالية منها.
وقال أبو حيَّان: واللام في» وللآخِرةُ «لام ابتداء أكدت مضمون الجملة، ثم حكى بعض ما تقدم عن الزمخشري وأبي علي، ثم قال:» ويجوز عندي أن تكون اللام في «وللآخِرَةُ خَيْرٌ» وفي «ولسَوْفَ يُعْطِيكَ» اللام التي يُتَلَقَّى بها القسم، عطفهما على جواب القسم، وهي قوله تعالى: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ﴾، فيكون هذا قسماً على هذه الثلاثة «انتهى.
فظاهره أن هذه اللام في» وللآخِرةُ «لام ابتداء غير متلقى بها القسم بدليل قوله ثانياً:» ويجوز عندي «، ولا يظهر انقطاع هذه الجملة عن جواب القسم ألبتة، وكذلك في» وَلَسَوْفَ «، وتقدير الزمخشريِّ: مبتدأ بعدها لا ينافي كونها جواباً للقسمِ، إنَّما منع أن يكون جواباً لكونها داخلة على المضارع لفظاً، وتقديراً.
وقال ابن الخطيب: فإن قيل: ما معنى الجمع بين حرفي التأكيد والتأخير؟.
قلت: معناه أن العطاء كائن لا محالة وإن تأخر لما في التأخير من المصلحة.
فصل
قال إبن إسحاق: معنى قوله: ﴿وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأولى﴾، أي: ما عندي من مرجعك إليَّ يا محمد خير لك مما عجلت لك من الكرامة في الدنيا.
روى علقمة عن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:
«إنَّا أهْل بيتٍ اخْتَارَ اللهُ لنَا الآخِرَةِ على الدُّنْيَا».
وقوله تعالى: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى﴾ روى عطاء عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما -: هو الشفاعة في أمته حتى يرضى، وهو قول علي والحسن.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص: «أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ تلا قول الله تعالى في إبراهيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ: ﴿فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [إبراهيم: ٣٦]، وهو قول عيسى - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -: ﴿إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ﴾ [المائدة: ١١٨]، الآية، فرفع يديه وقال:» اللَّهُمَّ أمَّتِي أمَّتِي «وبكى، فقال الله تعالى لجبريل» اذهب إلى محمد، وربُّك أعلم، فسلهُ ما يُبْكِيكَ «فأتى جبريل للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فسأله فأخبره، فقال الله تعالى لجبريل:» اذهب إلى محمد، فقل له: إن الله يقول لك: إنَّا سَنُرضِيْكَ فِي أمَّتكَ،