أحدها: أن هذه الواقعة إنما وقعت حال صغرهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وذلك من المعجزات فلا يجوز أن يتقدم بثبوته.
وثانيها: أن تأثير الغسل في إزالة الأجسام، والمعاصي ليست بإجرام فلم يؤثر الغسل فيها.
وثالثها: أنه لا يصح أن يملأ القلب علماً، بل الله تبارك وتعالى يخلق فيه العلوم.
وأجيب عن الأول: بأن تقديم المعجزات على زمان البعثة جائز، وهو المسمى بالإرهاص، ومثله في حق الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كثير.
وعن الثاني، والثالث: لا يبعد أن يكون حصول ذلك الدم الأسود الذي غسلوه من قلب الرسول - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - ميل القلب إلى المعاصي وإحجامه عن الطاعات، فإذا أزالوه عنه كان ذلك علامة لمواظبة صاحبه على الطاعات، واحترازه عن السيئات، فكان ذلك، كالعلامة للملائكة على عصمة صاحبه.
وأيضاً فإن الله تعالى يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد.
روى ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - أنهم قالوا: «يا رسول الله، أينشرح الصدر؟.
قال:»
نعم وينفسح «، قالوا: يا رسول الله، وهل لذلك علامة؟.
قال:»
نعم، التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاعتداد للموت قبل نزول الموت «».
قال القرطبيُّ: معنى ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ﴾ قد شرحنا، و «لَمْ» جحد، وفي الاستفهام طرف من الجحد وإذا وقع جحد، رجع إلى التحقيق، كقوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ الله بِأَحْكَمِ الحاكمين﴾ [التين: ٨]، ومعناه: الله أحكم الحاكمين، وكذا ﴿أَلَيْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ [الزمر: ٣٦]، ومنه قول جرير يمدح عبد الملك بن مروان: [الوافر]

٥٢٤٩ - ألَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ المَطايَا وأنْدَى العَالمِينَ بُطُونَ رَاحِ
المعنى: أنتم كذا.
فإن قيل: لم قال عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ فذكر الصدر ولم يذكر القلب؟.
فالجوابُ: لأن محلَّ الوسوسة هو الصَّدر على ما قال تعالى: ﴿يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ الناس﴾ [الناس: ٥] فإبدال تلك الوسوسة بدواعي الخير هو الشرح، فلذلك خص الشرح بالصدر دون القلب.
وقيل: الصدر حضن القلب، فيقصده الشبطان، فإن وجد مسلكاً أغار فيه، وبث جنده فيه وبث فيه الغموم، والهموم والحرص، فيقسو القلب حينئذ، ولا يجد للطاعة


الصفحة التالية
Icon