قال القرطبي: الأقلام ثلاثة في الأصل.
الأول: الذي خلقه الله تعالى بيده، وأمره أن يكتب.
والقلم الثاني: قلم الملائكة الذي يكتبون به المقادير، والكوائن والأعمال.
والقلم الثالث: أقلامُ النَّاسِ، جعلها الله بأيديهم يكتبون بها كلامهم، ويصلون بها مآربهم.
وروى عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «لا تُسْكنُوا نِسَاءُكُم الغُرَفَ ولا تُعَلمُوهُنَّ الكِتابَة».
قال بعض العلماء: وإنَّما حذَّرهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لأن في إسكانهم الغرف تطلُّعاً على الرجال، وليس في ذلك تحصُّن لهن ولا تستُّر، وذلك لأنهن لا يملكن أنفسهن، حتى يشرفن على الرجال، فتحدث الفتنة والبلاء، فحذرهم ان يجعلوا لهن غرفاً ذريعة إلى الفتنة. وهو كما قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «لَيْسَ للنِّساءِ خَيْرٌ لَهُنَّ من ألاّ يَرَاهُنَّ الرِّجَالُ، ولا يَرَوْنَ الرِّجالَ».
وذلك أنها خلقت من الرجل فنهمتها في الرجل، والرجل خلقت فيه الشَّهوة، وجعلت سكناً له، فكل واحد منهما غير مأمونٍ على صاحبه، وكذلك تعليم الكتابة، ربما كانت سبباً في الفتنة، لأنها إذا علمت الكتابة كتبت إلى من تهوى؛ فالكتابة عين من العيون بهما يبصر الشاهد الغائب، والخط آثار يده، وفيه تعبير عن الضمير بما لا ينطق به اللسانُ، فهي أبلغ من اللسان، فأحبَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يقطع عنهن أسباب الفتنة تحصيناً لهنَّ، وطهارة لقلوبهن.
قوله تعالى: ﴿عَلَّمَ الإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾.
قيل: الإنسان هنا آدم - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - علمه أسماء كل شيءٍ، وقال تعالى: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأسمآء كُلَّهَا﴾ [البقرة: ٣١].
وقيل: الإنسان - هنا - محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لقوله تعالى: ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾ [النساء: ١١٣].
وقيل: عام، لقوله تعالى: ﴿والله أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً﴾ [النحل: ٧٨]،