فجعلها متعدية في ظاهر قوله إلى واحد، وعلى هذا فقد يقال: إنها عاملة في «إذا» على سبيل أن «إذا» مفعول به لا ظرف؛ إذ التقدير: أفلا يعرف وقت بعثرة القبور، يعني أن يقر بالبعث ووقته، و «إذا» قد تصرفت وخرجت عن الظرفية، ولذلك شواهد تقدم ذكرها.
الرابع: أن العامل فيها محذوف، وهو مفعول «يَعْلَمُ»، كما تقدم.
وقرأ العامة: «بُعْثِرَ» - بالعين - مبنيًّا للمفعول، والموصول قائم مقام الفاعل.
وابن مسعود: بالحاء.
قال الفرَّاءُ: سمعت بعض أعراب بني أسد يقرأ «بحثر» بالحاء وحكاه الماوردي عن ابن مسعودٍ.
وقرأ الأسود بن زيد ومحمد بن معدان: «بحث» من البحث.
وقرأ نصر بن عاصم: «بَعْثَرَ» مبنياً للفاعل، وهو اللهُ أو الملك.
فصل في معنى الآية
المعنى «أفَلا يَعْلمُ»، أي: ابن آدم «إذَا بُعْثِرَ» أي: أثير وقلب وبحث، فأخرج ما فيها.
قال أبو عبيدة: بعثرت المتاع، جعله أسفله أعلاه.
قال محمد بن كعب: ذلك حين يبعثون.
فإن قيل: لم قال: «بُعثِرَ ما في القُبُور» ولم يقل: من في القبور؟ ثم إنه - تعالى - لما قال: «مَا فِي القُبورِ» فلم قال: ﴿إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ﴾ ؟.
فالجواب عن الأول: أن ما في الأرض غير المكلفين أكثر، فأخرج الكلام على الأغلب، أو أنهم حال ما يبعثرون لا يكونون أحياء عقلاء، بل يصيرون كذلك بعد البعث، فلذلك كان الضمير الأول غير العقلاء، والضمير الثاني ضمير العقلاء.
قوله: ﴿وَحُصِّلَ مَا فِي الصدور﴾، قرأ العامة: «حصّل» مبنيًّا للفاعل وروي عن ابن عمر، وعبيد بن عمير، وسعيد بن جبير ونصر أيضاً «حصل» خفيف الصاد مبنياً للفاعل بمعنى جميع ما في الصحف محصلاً، والتحصيل: جمع الشيء، والحصول: اجتماعه، والاسم: الحصيلة.
قال لبيد: [الطويل]
٥٢٨٩ - وكُلُّ امرِئٍ يَوماً سَيعْلَمُ سَعْيهُ | إذا حُصِّلتْ عِنْدَ الإلهِ الحَواصِلُ |