وقيل: ﴿عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ﴾، أي: فاعله للرضا، وهو اللين والانقياد لأهلها، فالفعل للعيشة؛ لأنها أعطت الرضا من نفسها، وهو اللين والانقياد.
فالعيشة كلمة تجمع النعم التي في الجنة، فهي فاعلة للرضا كالفرس المرفوعة، وارتفاعها مقدار مائة عام، فإذا دنا منها ولي الله اتضعت حتى يستوي عليها، ثم ترتفع، وكذلك فروع الشجرة تتدلى لارتفاعها للولي، فإذا تناول من ثمرها ترتفع، كقوله تعالى: ﴿قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ﴾ [الحاقة: ٢٣] وحيثما مشى من مكان إلى مكان جرى معه نهر حيث شاء.
قوله: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ﴾، أي: رجحت سيئاته على حسناته، قال مقاتل وابن حيان: إنما رجحت الحسناتُ؛ لأن الحق ثقيلٌ، والباطل خفيفٌ.
قوله: ﴿فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ﴾، أي: هالكة، وهذا مثل يقولونه لمن هلك، تقول: هوت أمه لأنه إذا هلك سقطت أمه ثكلاً وحزناً، وعليه قوله فهي هاوية، أي: ثاكلة، قال: [الطويل]

٥٢٩٣ - هَوَتْ أمُّهُ ما يَبْعَثُ الصُّبْحَ غَادِياً ومَاذَا يُؤدِّي اللَّيلُ حينُ يَثُوبُ
فكأنه قال تعالى: من خفت موازينه فقد هلك.
وقيل: الهاوية من أسماء النار، كأنها النار العميقة يهوي أهل النار فيها والمعنى: فمأواهم النار.
وقيل للمأوى: أم، على سبيل التشبيه بالأم، كما يأوي إلى أمه، قاله ابن زيد.
ومنه قول أمية بن أبي الصلت: [الكامل]
٥٢٩٤ - فالأرْضُ مَعْقِلُنَا وكَانَتْ أمَّنَا فِيهَا مَقابِرُنَا وفِيهَا نُولَدُ
ويروى أن الهاوية اسم الباب الأسفل من النار.
وقال عكرمة: لأنه يهوي فيها على أم رأسه.
وذكر الأخفش والكلبي وقتادة: المهوى والمهواة ما بين الجبلين، ونحو ذلك، وتهاوى القوم في المهواة إذا سقط بعضهم في أثر بعض.
وقرأ طلحة: «فإمّه» بكسر الهمزة، نقل ابن خالوية عن ابن دريد، أنها لغة


الصفحة التالية
Icon