قال سعيد بن جبير: نزلت في «الحديبية» حين حصر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عن البيت، فأمره الله تعالى، أن يصلي، وينحر البدن، وينصرف، ففعل ذلك.
قال ابن العربي: «أما من قال: إن المراد بقوله تعالى: ﴿فَصَلِّ﴾ الصلوات الخمس، فلأنها رُكْن العبادات، وقاعدة الإسلام، وأعظم دعائم الدين.
وأما من قال: إنها صلاة الصبح بالمزدلفة، فلأنها مقرونة بالنحر، وهو في ذلك اليوم، ولا صلاة فيه قبل النحر غيرها، فخصها بالذكر من جملة الصلوات لاقترانها بالنحر».
قال القرطبي: وأما من قال: إنها صلاة العيد، فذلك بغير «مكة»، إذ ليس ب «مكة» صلاة عيد بإجماع، فيما حكاه أبو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه.
فصل
الفاء في قوله: «فصلِّ» للتعقيب والتسبب، أي: تسبب هذه المنة العظيمة وعقبها أمرك بالتخلي لعبادة المنعم عليك، وقصدك إليه بالنحر لا كما تفعل قريش من صلاتها، ونحرها لأضيافها، وأما قوله تعالى: ﴿وانحر﴾، قال علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - ومحمد بن كعب القرظي: المعنى ضع اليمنى على اليسرى حذاء النحر في الصلاة.
وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - أن يرفع يديه في التكبير إلى نحره، وهو مروي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - قال: استقبل القبلة مكة بنحرك، وهو قول الفراء، والكلبي وأبي الأحوص.
قال الفراء: سمعت بعض العرب يقول: منازلنا تتناحر أي تتقابل نحر هذا بنحر هذا.
وقال ابن الأعرابي: هو انتصاب الرجل في الصلاة بإزاء المحراب، من قولهم: منازلهم تتناحر، أي: تتقابل.
[وعن عطاء: أنه أمره أن يستوي بين السجدتين جالساً حتى يبدو نحره.
وقال محمد بن كعب القرظي: يقول: إن ناساً يصلون لغير الله، وينحرون لغير الله - تعالى - فقد أعطيناك الكوثر، فلا تكن صلاتك ولا نحرك إلا لله تعالى.
والنَّحر في الإبل بمنزلة الذَّبح في البقر والغنم].